كتبت في إحدى السنوات عن البؤساء .. ومازال البؤس شاهدا حي على أيام حياتنا

كانت رحلتي الثانية بإتجاه المملكة المغربية .. و علي أن انتظر (ترانزيت) ليومين في الأردن .. وكما جرت العادة معي مرت اليومين ووصلت إلى المطار لبدء رحلة ستدوم الثمان ساعات نحو ( الدار البيضاء .. كازابلانكا) كنت أقرأ رواية ( البؤساء) يومها ( لفيكتورهوجو) فهي تشدني كثيرا ..

كانت قاعة الانتظار في مطار الأردن أشبه بحفلة استعراضية .. فالوجوه التي تلج لايمكن لها أن تتشابه أو تتكرر .. كل منهم له قصته التي يسافر بها .. أو سببه الذي يسافر لأجله .. وجميعهم يكتمونها كنوع من الأسرار .. وهذه عادة المواطن العربي .. فهو مراقب والجميع يتجسس عليه ..

وفي تلك اللحظة التي كنت أنقل فيها عيناي بين أحرف الرواية و وجوه الناس المتغيرة .. أطل على الصالة سرب مغرد من أطفال المدارس هكذا كانت توحي هيئتهم.. كانوا كأنهم حمامات مغردة.تستعد للطيران نحو عالم جديد ترنوا إلى اكتشافه ..أصواتهم العالية وهم ينادون بعضهم البعض وقهقهاتهم الفرحة ملأت المكان بعبق جميل .. وغيرت ملامح الروتين فأصبحت المتعة ترفرف حولنا ..

أقفلت كتابي وبقيت أراقبهم وهم يطيرون سعادة بين الكراسي والمنتظرين .. يلتقطون صورا لكل شيء .. يبتسمون هنا وهناك .. ويسألون كل من يمرون عليه (أنت مسافر للمغرب ) ؟ وكأنهم يظنون أن لا أحد سيذهب اليها غيرهم .. وكان عددا من الرجال والنساء الظريفين يتنقلون بينهم يحاولون تهدئتهم والمزح معهم ..

جلست إلى جواري إحداهن وأبتسمت وسألتني بلهجة فلسطينية جميلة ( حضرتك رايحه ع المغرب ) أجبتها نعم ( وحضرتك) قالت فورا : نعم .. إحنا رحلة مدرسية طالعين ع المغرب مع طلابنا المتفوقين .. تبسمت .. عظيم .. فكرة حلوة أن تكافئوهم برحلة مثل هذه .. وهم كمان مبسوطين جدا .. إنتهى الحديث هنا ..

ثم بدأت الأفكار تتزاحم في رأسي (فلسطين ) تكافىء طلابها الأطفال المتفوقين برحلة إلى المغرب .. رحلة تعليمية وترفيهية .. فلسطين المحتلة كما يقولون لنا .. وكما يطلبون منا جمع التبرعات والتضامن معها .. ولا أدري من الذي يجب أن يتضامن ويتبرع لمن ..

الطلاب المتفوقون في بلادنا لا يجدون غير ( سيدي حسن .. على قولة جدتي ) مكافئة لتفوقهم .. او ربما رحلة إلى الملاهي .. وفي أحسن الحالات لايجدون مقاعد لهم في الجامعات فقد استولى عليها أبناء القادة والمناضلين  .. وفي حالات أخرى يتم مكافئتهم بسرقت منحهم (وخليهم يخبطوا راسهم بالجدار ) ..

عدت إلى كتابي وأنا أتأمل عنوانه (البؤساء) .. وأصبحت كل كلمة في تلك الرواية منجل يحفر في أعماقي ..

البؤس ليس أن تجوع .. ولا أن تسير حافي القدمين ربما تلك مأساة .. لكن البؤس أن تجد دوما من يخطف منك لحظات حياتك منذ طفولتك وحتى الشيخوخة ..

جاكلين احمد

مقالات الكاتب

ليلة زفافي

قبل عشر سنوات من الآن كنت تلك العروس حديثة التكوين . كنت ككل فتاة أضع رجلي على عتبة حياة جديدة لا أع...

خطأ معلمة

في سنة ثالثة ابتدائي أستاذة ( صبا )  للغة العربية أعطتهم مثال على ( التاء) المفتوحة وكان المثال...