إقالة وزير العدل تفتح الشهية للتغيير !
إقالة وزير العدل أمس من قبل رئيس الدولة، عبدالقادر بن صالح، هل هي تمهيد لإقالة حكومة بدوي، مثلما اشت...
للمرة الرابعة تواجه فرنسا جموع الغاضبين من أصحاب السترات الصفراء، الحركة التي بدأت محتشمة ثم انتشرت كقطرة زيت في جسد فرنسا، بل تجاوزتها لتحرك الشارع الأوربي وتتحول إلى خريف أوربي تعبر من خلاله شعوب القارة العجوز، عن غضبهم ورفضهم ليس فقط لأنظمة بلدانهم، بل لسياسة الاتحاد الأوربي التي لم تستجب لتطلعات شعوبها، وصارت أنظمتها أقرب إلى المملكات منها إلى الجمهوريات، خاصة في فرنسا التي جاء إليها ماكرون ليطبق سياسة المؤسسات المالية العالمية التي لا هم لها غير تحقيق الربح على حساب مصير الشعوب وحقوقها الاجتماعية، وهو ما عبرت عنه هتافات المتظاهرين ، بيسقط، يسقط ماكرون، هتافات تذكرنا بانتفاضة الشارع العربي منذ بضعة سنوات.
ما يجري في الشارع الباريسي وغيره من المدن الفرنسية ، لا يكتب فقط مستقبل المواطن الفرنسي ويفتك له حقوقا تحاول سياسة ماكرون الدوس عليها والتضحية بها نزولا عند املاءات الشركات العالمية، بل يعد تحديا لمصير الشعوب الأوربية كلها، فهي حركة غير مسبوقة، ولا يبدو أنها ستتراجع وتتنازل عن مطالبها بعدما صار أهم مطلب لها استقالة الرئيس ماكرون، فهي تعبير عن افلاس السياسات الاقتصادية والاجتماعية في أوربا، بعد سلسة الغضب التي هزت من سنوات الشعب اليوناني، ومازالت شعوب أخرى مرشحة للثورة، في بلجيكا وفي ألمانيا نفسها التي تعتبر أقوى اقتصاد أوربي.
وعكس ما تروج له بعض القراءات والتحليلات بأن فرنسا ستنهار، لن يحدث ذلك، ففرنسا هي أولا دولة المؤسسات، وشعبها واع ، لن يقود بلاده إلى الخراب والفوضى مهما كانت التجاوزات المسجلة في الأيام الماضية، فقد تنتهي موجة الغضب ليس فقط بتحقيق مكاسب آنية مثلما أراد ذلك الرئيس ماكرون الذي قال أنه لن يلغي ما بناه خلال الـ18 شهر التي أمضاها في الحكم، بل قد تلتف جميع التيارات السياسية، يمينا ويسارا لإنقاذ الجمهورية ، والخروج بعقد اجتماعي جديد يضمن لكل شرائح المجتمع حقوقها، وحقها في العيش الكريم.
قد تغتفر تجاوزات الشرطة التي تعيش عناصرها حرب أعصاب وخوفا من انزلاقات وارتفاع الأدرينالين بين الاطراف المتواجهة، لكن الذي لا يغتفر هو تحيز الاعلام الفرنسي وانصياعه لتوجيهات سلطة الضبط التي وجهت في بيان لها نداء للإعلام الفرنسي تحذره وفي نفس الوقت تطالبه بالتأكد من الصور التي يبثها، وهو تدخل سافر في حرية الاعلام، ورقابة غير معلنة، ومحاولة توجيهه لما يخدم سياسة الحكومة، ضد مطالب أصحاب السترات الصفراء ومحاولة الصاق العنف بها لعزلها اجتماعيا، وللانتقاص من أهمية ما تقوم به والذي أصبح تعبيرا عن ثورة شعبية حقيقية لا تخضع لأية طبقة سياسية غير مصالح الشعب الفرنسي.
مهما كانت درجة تصاعد الاحتجاجات، فلا يمكن للحكومة الفرنسية أن تستمر في تجاهل هذه الثورة، التي لا شك أنها كلفتها الكثير، ماليا حيث تزامنت مع احتفالات رأس السنة وهو موسم الذروة السياحية ، وسمعة ، بعدما حذرت الكثير من البلدان رعاياها من التوجه الى فرنسا وخاصة العاصمة باريس، مثلما كانت باريس تحذر رعاياها من التوجه إلى دمشق وبغداد والجزائر !