كتبت في إحدى السنوات عن البؤساء .. ومازال البؤس شاهدا حي على أيام حياتنا
كانت رحلتي الثانية بإتجاه المملكة المغربية .. و علي أن انتظر (ترانزيت) ليومين في الأردن .. وكما جرت...
كنت إذا سمعت أن امرأة في سن الأربعين تخيلتها امرأة عجوز بعكاز ولها شعر أبيض ووجه ( مكرمش ) وخشونة في الركب وأسنان قد تساقط نصفها .
وفي الحقيقة أن ما عزز تلك النظرة في فكري هو الحالات التي قابلتها في المجتمع فالمرأة في الأربعين في مجتمعنا تنظر لنفسها على أنها قد أصبحت عجوز وتبدأ بالتصرف على ذلك الأساس حتى تقنع نفسها تماما بأنها عجوز ولم تعد تصلح للحياة وكأن التقدم في السن يعني الموت .
إلا أني وبعد أن تخطيت الأربعين وأصبحت أسير في السنة الثانية بعد الأربعين سقطت تلك النظرة من عيني ووجدت أني كنت على خطأ فالأربعين ليس إلا بداية الشعور بكل شيء ونضج التركيز على أشياء أهملناها في السابق بسبب قلة الخبرة .
الأربعين وحتى الخمسين، والستين، والسبعين لا يعني أنك قد أصبحت خارج منظومة الحياة بل يعني أنك بدأت في الدخول اليها بتركيز أكبر ونضج أقوى من السابق لأن الوصول إلى منظومة الحياة التي حاربت لأجلها سنوات طويلة لايمكن أن تصله إلا بعد أن يكتمل فيك جانب النضج و تكتمل لديك رؤية الأشياء التي كانت تنقص بسبب أنك نظرت أليها من زاوية واحدة ولم تفهمي يوما سبب ذلك النقص .
المرأة في الأربعين ومابعده ليست عجوز عليها أن تتوارى عن الأنظار وأن تختار ركنا تضع عليه مجلسا لها فتجلس عليه وتنتظر الموت . المرأة في الأربعين نضوجا لكل شيء عقلا وجسدا وفكرا بل وتشعر أن حياتها قد بدأت للتو، و أتحدث هنا عن المرأة التي أعدت نفسها جيدا للدخول في منظومة الأربعين وما بعده، إعدادا روحيا وفكريا وليس إعدادا جسديا فقط .
بنات اليوم يفعلن مابوسعهن من ماسكات وأدوية وتدليك وغيرها من العجائب استعدادا للدخول في مرحلة الأربعين خوفا من أن تترهل وجوههن وأجسادها وتشيخ فتموت . لكنهن لم يستعدن جيدا للدخول بفكرهن و علمهن وكمية الدروس التي أخذنها من الحياة هن يرين أنفسهن أجسادا ولايردن أن تصل أجسادهن للشيخوخة والترهل .
لكن حقيقة أن الأجساد لاتشيخ ولا تترهل إلا إذا شاخت العقول، فعندما يشيخ فكرك ونضوجك بسبب عقلك العجوز عندها فقط لايستطيع جسدك مقاومة تلك الشيخوخة حتى وإن كنت في العشرين . ومهما اقتنيت من (ماسكات) و ( سيروم) و ( خلطات ) وألآت .
لهذا وبكل حب لبنات اليوم أقول لاتنظرن لأنفسكن على أنكن أجساد فقط ولاتسمحن لهم بأن يدخلوكن مرثون الجسد الذي لايشيخ، أبلغن الشباب بنضج عقولكن وبخبرتكن التي لاتأتي من الجسد وحده بل تأتي بالفكر ونضوج التجربة والفكر لايشيخ ولايمكن أن يموت طالما وأنتن في نضال لأجل البقاء الحقيقي ولاتكرسن جل حياتكن لوهم بقاء الجسد .
واجعلي من فكرك الناضج جسرا يقودك لشباب الجسد .