خالد بحاح سفير بحجم وطن
عبر بعض السجناء اليمنيين الذين يقبعون في السجون المصرية عن فرحتهم واعتزازهم بزيارة السفير خالد بحاح...
بعد قيام الوحدة اليمنية في ال٢٢ من مايو ٩٠ ، بدأ عهد جديد في الشطر الجنوبي ، لطالما تاق إليه الجنوبيون ، لكن الغالبية منهم شعروا بعد الوحدة بصدمات عنيفة ، بسبب وتيرة التغيير الذي أدى إلى زوال المعالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتكئة على النهج الماركسي وحل محل ذلك اقتصاد السوق الحرة ، وأصبح الناس بين عشية وضحاها يعيشون في نظام شبه رأسمالي .
ورثت دولة الوحدة الكثير من الالتزامات والمصاعب ، فبالإضافة إلى أنها ورثت بلدا مزقته الحرب قبل أن تقسمه السياسة مناصفة بين شطر شبه رأسمالي وآخر ماركسي ، ورثت أيضا ٧ مليار دولار ديون الشطر الجنوبي و ٤ مليار دولار ديون الشطر الشمالي ، وورثت جهاز إداري متضخم ، تسابقت على تعبئته بالموظفين المحسوبين عليها أحزاب الاشتراكي والمؤتمر والإصلاح ، كان المواطن في الشطر الشمالي يسافر خارج حدوده ، بينما المواطن الجنوبي يعيش في سجن كبير لا يستطيع تجاوز الحدود ، وسلم الحزب الاشتراكي الجنوب وهو مفلس معنويا واقتصاديا ، ومهما كانت أخطاء الوحدة ، إلا أنها لن ترقى إلى ذلك النموذج من النظام القمعي ومنع الناس من التملك والسفر في ذلك الوقت .
أنفق الشماليون مبالغ طائلة من أجل تجهيز المحافظات الجنوبية ببنى تحتية جديدة تفوقت حتى على تلك الموجودة في المحافظات الشمالية ، وما يمكن لفت الانتباه إليه هو عدم مطابقة خطابات الوحدة مع الواقع على الأرض ، حيث لم يكن هناك تكافؤ بين الشطرين بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي ، مما رمى بالثقل الأكبر على دولة الوحدة ولم يسمح ذلك ببناء دولة جديدة ، بسبب الصراع على السلطة واللجوء إلى استحضار الهويات الصغيرة على حساب الهوية الوطنية الكبرى .
بأي حال من الأحوال ، عاش الجنوبيون بحال أفضل بكثير مما كانوا عليه أيام جمهورية اليمن الديمقراطية ، حيث كان يستحيل على أي مواطن أن ينشئ أي شكل من أشكال المشروعات الخاصة ، هذا الأمر غير واضح بالنسبة للكثيرين ، لذلك تجدهم يلعنون الوحدة ويطالبون باسترجاع دولتهم ، التي لم تكن سوى دولة قمعية تصادر كل شيء وتمنعهم حتى من السفر .
صحيح أن هناك أخطاء صاحبت دولة الوحدة ، وهي نفس الأخطاء التي حدثت في الوحدة الألمانية ، لكن الفرق بيننا وبين الألمان ، أنهم لا يلعنون الوحدة ، بل يحاولون تصويب أخطاء السلطة ، على العكس لدينا ، يعود السبب في ذلك ، أن الألمان يعتزون بهويتهم القومية ، بينما نحن نعتز بالهوية المناطقية ، كما أن الألمان لا يشعرون بالاختلاف فيما بينهم ، بينما نحن نشعر أننا مختلفين عن بعض ، حتى أننا لم نعد نشعر بأننا يمنيون إلا حينما نكون في الخارج ، ولا نشعر بذلك حينما نكون في وطننا ، ستبقى الوحدة اليمنية صمام أمان للسلام وما دونها دعوة للحروب ، وستظل عابرة للهويات الطائفية والمناطقية ، يتشبث بها الوطنيون ويعاديها خونة الأوطان ، ومن أراد أن يعرف فضل الوحدة عليه ، فليعد إلى تاريخ ماقبل ال٢٢ من مايو ١٩٩٠.