نصف ساعة من التامل
صورة الحاج محمد البوفاء وعمامته البيضاء الناصعةوابتسامته التي تزين وجه ابتسامة صادقة تعكس صفاء قلبه...
في أعماق مدينة الوضيع حيث تتجذر العادات والتقاليد و تتراقص الذكريات وتنسج خيوط التراث كانت تعيش الجدة( م أ ) تلك المرأة التي أضاءت دروب الخير بنور قلبها كانت أكثر من مجرد امرأة مسنة بل كانت رمزاً للصناعة والإتقان والكرم وكانت بمثابة العمود الفقري لاقتصاد أسرتها ومجتمعها والعمود للعادات وتقاليد أهالي الوضيع
حيث تبداء الجدة ( م. أ. ) يومها كالفجر تشرق على قريتها بنشاط وحب للحياة كانت تضع يديها الخشنتين على سعف العزف تلك المادة البسيطة التي تحولت بين يديها إلى تحف فنية من المكانس والمسارف والجعاب لم تكن تصنع هذه الأدوات فقط لتلبية حاجة أهالي الوضيع بل كانت تضع فيها قطعة من روحها وعاطفتها وكانت تتبرع بجزء من إنتاجها للمسجد شهاده على إيمانها العميق وحرصها على الخير كانت تؤمن بأن العطاء هو سر السعادة وان إسعاد الآخرين هو أكبر مكسب في الحياة كما كانت قبل انتشار المستشفيات كانت ( الجدة م.ا ) تعتبر الخبيرة الأولى في هذا المجال. كانت تمتلك خبرة واسعة ورثتها عن الأجيال السابقة وكانت تقوم بتوليد النساء في المنزل باستخدام الأدوات المتاحة وقتها كما كانت ( الجده . م . ا ) بحلول شهر رمضان هي من تقوم بتوقيس المراهي قبل شهر رمضان استعداد كل نساء الوضيع في شهر رمضان من سحق الحبوب لاجل صناعة خبز المخلم وانقرضت هذه العادات الجميله
حيث لم يقتصر دور (الجدة. م. ا ) على الحرف اليدوية فقط بل كان لها بصمة واضحة في أهم مناسبات مدينة الوضيع في الاعراس كانت حاضرة في كل عرس تقدم الدعم والعون للعروسة في ليلتها الأولى تلك الليلة التي تحمل الكثير من القلق والترقب كانت (الجدة م. ا) بمثابة الأم الحنونة التي تطمئن قلب العروسة وتزرع في نفسها الأمل والثقة وكانت تتولى مهمة "الرضيحة"، وهي عادة قديمة تتضمن تقديم الدعم النفسي للعروسة في ليلة زفافها.
ولم تتوقف عطاءات ( الجدة . م. ا. ) عند هذا الحد فقد كانت لها مشاركة فاعلة في الحياة الاجتماعية لمدينة الوضيع
في اليوم الثاني من الزفاف كانت ( الجدة م. ا. ) تتحول إلى سيدة الاحتفالات كانت تملأ جعبة كبيرةبالحلوى البيضاء اللذيذة ثم تتجول به بين بيوت اهالي الوضيع لم تكن مجرد حلوى بل كانت دعوة صامتة لكل نساء اهالي الوضيع للاحتفال مع ام العروس كانت هذه العادة تسمى "الرفدة"، وهي تقليد عريق تعكس التكاتف والتعاون والتآزر بين نساء أهالي الوضيع وتبادل الهدايا عندما تجمع النساء في بيت ام العروس كن يجلبن معهن هدايا رمزية مثل المال أو بعض المنتجات المحلية كانت هذه الهدايا تعبيراً عن التهنئة الى ام العروس ورمزاً لتقاسم الفرحة وبعد أن تجمع الهدايا كانت ام العروس تقدم شكرها ( للجدة. م. ا. ) وتمنحها جزءًا من هذه الهدايا كعربون شكر على دورها في هذه المناسبة.
لم تكن ( الجدة. ا. م ) مجرد شخصية محبوبة في مدينة الوضيع بل كانت رمزاً للتراث والتقاليد كانت تحافظ على العادات والتقاليد القديمة وتسعى إلى نقلها للأجيال القادمة كانت مشاركتها في الزراعة والحرف اليدوية تعبيراً عن ارتباطها بالأرض وتقديرها للعمل الجاد كان قلبها عامرة بالإيمان والحب كانت مثل للكرم والعطاء ففتحتْ بيتها للأيتام وربّتهم كأبنائها وقدمت لهم الحب والحنان الذي افتقدوه لم يتوقف عطاؤها عند هذا الحد بل امتدّ إلى خدمة بيت الله مسجد الجامع الكبير شاركت في تعمير مسجد الوضيع حملت التراب والماء على رأسها متعبّة ولكنها مسرورة لتؤكد أن العبادة ليست قاصرة على الصلاة والصيام فقط بل تشمل خدمة المجتمع وبناء دور العبادة.
عندما حان أجَلها رحمه الله أوصت بدفنها بالقرب من المسجد الذي ساهمت في بنائه وتم دفنه في مقبرة الوضيع كأنها أرادت أن تبقى جزءاً منه إلى الأبد.
برحيل ( الجدة. ا. م ) فقدت مدينة الوضيع جزءًا كبيرًا من روحها وتراثها حيث كانت حافظة العادات والتقاليد للأجيال وكانت بمثابة الرابط بين الماضي والحاضر ورغم من مرور الزمن على وفاتها إلا أن ذكرى ( الجدة م. ا ) ستظل حية في قلوب أهالي الوضيع
وستظل قصتها مصدر إلهام للأجيال القادمةرحمها الله واسكنه فسيح جناته
ختامًا يمكن القول إن الحفاظ على خصوصية الأفراد هو واجب على الجميع وحرصاً على عدم الإخلال بخصوصية اقارب الجدة تم نشرة صورة رمزية ونأمل أن يساهم هذا المقال في تعزيز الوعي بأهمية النساء في مجتمعنا ودورهم العظيم وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا آملين أن يكون قد ألقى الضوء على أهمية الحفاظ على العادت وتقليد وفعل الخير في مجتمعنا
رمزي الفضلي