لبنان تحت النيران
لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...
في كل مرة أمسك فيها بالقلم لتأبين صديق أو عزيز غيبه الموت تملأني غصة ويعتصرني الألم .. ليس من السهل أن تكتب عن إنسان عرفته ذات يوم وحملتم معا نفس الأحلام وناضلتم في سبيلها وتحملتم مع بقية المؤمنين مثلكما بنفس الفكرة والهدف وتحملتم في سبيل تحقيقها الآلام والصعاب التي دونها الجبال، وعشتم معا فرحة النصر بالحرية وإجبار قوات الاحتلال على الرحيل عن أرض الجنوب الطاهرة بعد 129 عاما من الاحتلال .
عن الصديق والرفيق المناضل ناصر جعسوس أكتب، الذي غيبه الموت بعد صراع شديد مع المرض فأصابنا رحيله بالحزن العميق. أحب ناصر جعسوس هذه الأرض، بكل جوارحه، ناضل في سبيل عزتها ورفعتها بكل ما في الشباب من طاقة وعنفوان وأحلام بالغد الأجمل، وذات يوم كان أحد رؤساء اتحاد الشباب اليمني الديمقراطية ( أشيد ) في بداية تأسيسيه في سبعينيات القرن الماضي وكان قبله وبعده كل من سالم بكير ورياض العكبري وصالح شايف وعاشور عبود وواعد باذيب، وانغمس في تفاصيل ذلك الكيان الذي تولى تنظيم الشباب وإظهار روحهم الخلاقة المتوثبة وطاقاتهم الكامنة وعمل على تربيتهم بقيم حب الوطن وأفكار العصر وجسد هذا المعنى في تحول الشباب الفكري والعملي الذي أمد الدولة والوطن بطاقات جديدة وروح خلاقة.
وكان الفقيد ناصر جعسوس يجسد مع أقرانه من شباب ثورة 14 أكتوبر أحلام الشعب في غد أفضل وحياة كريمة وعالم خال من الظلم ككل الشباب الثائر الذي يرى العالم يتقدم من حوله ويريد اللحاق بركب الحضارة، يحلم ولديه الأمل ويرى أن الوقت قد حان لينفض عن كاهله غبار الزمن وما عليه سوى أن يشد الهمة وينظم طاقاته ويشرع في العمل والبناء، دون أن ينسى وجود صعوبات وعراقيل، وهي يومئذ كثيرة، لكن كانت القيادة أيضا معهم ومؤمنة بقدرة الشباب وطاقاتهم وتعتمد عليهم لتحقيق وتجسيد الأحلام وتحويلها إلى واقع.
ربما إن كل تلك الأحلام لم تتحقق، لكن تلك التجربة ساهمت في خلق جيل من الشباب المتعلم والعامل المفعم بحب الوطن والعمل الذي جسد أحلام الشعب وآماله ومعاناته وطموحاته، وكان له شرف محاولة صناعة تجربة فريدة في هذا الجزء من جنوب شبه الجزيرة العربية أو ما عرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. التي كانت دولة فتية وقوية ومهابة ذات سيادة يحسب الجميع لها ألف حساب، وعمل كثيرون على محاربتها ووأد تجربتها التي أرادت من خلالها إثبات أن الشعوب تستطيع أن تملك إرادتها الحرة وتصنع تاريخها بنفسها حتى وإن لا تملك ثروات هائلة اليوم، لكنها تملك إرادة التغيير وطاقة الشباب والحلم بالمستقبل.. ويكفي ناصر جعسوس فخراً عندما يكتب تاريخ هذه التجربة بإنصاف أنه كان جزء اصيلاً وفاعلاً في هذه التجربة بنجاحاتها وسلبياتها.
نقول لأجيال شبابنا في الحاضر إن كل الأحلام لم تتحقق لكن الأمل لايزال باق .
علي ناصر محمد