قريبا؛ مجلس العليمي والبركاني سيرددوا ثورة ثورة يا جنوب
الهدف الأساسي من "مشاورات الرياض" تعزيز الانفصال وجعله أمر واقع، وكانت الخطة الأصلية (أ) تقضي بأن يت...
خلال فترة الأربعة أيام من الاشتباكات التي شهدتها مدينة عدن مؤخرا، كان السؤال المطروح حينها وبعدها يتعلق بموقف الحكومة السعودية من تلك الاشتباكات ودورها الحقيقي فيها. وحتى الآن ليس هناك من إجابة مقنعة لذلك السؤال.
المنطق السياسي البسيط يستنتج بتعارض تلك الأحداث مع مصلحة السعودية، ودورها في اليمن؛ فتلك الاشتباكات قامت بها قوات تتبع ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي والذي يطالب باستعادة دولة اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) والتي دخلت في وحدة اندماجية كاملة في مايو 1990 مع اليمن الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية). والمجلس الانتقالي، والقوات التابعة له تم تشكيلها ورعايتها من قبل دولة الإمارات، والتي أصبحت المسئولة سياسيا وعسكريا عن محافظة عدن وبعض مناطق اليمن، بعد إخراج الحوثين منها.
والطرف الذي استهدفته تلك القوات هي قوات الحماية الرئاسية، التي يقودها نجل الرئيس هادي وينتمي معظم منتسبيها إلى محافظة أبين التي ينحدر منها الرئيس هادي، ومحافظة شبوة المجاورة لها. وهي بتلك الصفة والكيفية تعد قوات خاصة بالرئيس هادي وأهم مصادر قوته السياسية والعسكرية في اليمن. ومهاجمتها وتدميرها بالطريقة التي انتهت لها الأحداث، وإخراجها من قصر المعاشيق (المجمع الرئاسي في عدن) يجرد الرئيس هادي من أهم قواته، وينزع ما تبقى من رمزية لما يسمى بالسلطة الشرعية للجمهورية اليمنية في عدن العاصمة الموقتة للجمهورية، والتي أعلنها هادي بديلا عن العاصمة الرسمية لليمن (صنعاء) الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وإضعاف سلطة هادي بالطريقة التي تمت، ومن قبل قوى انفصالية، يعني عمليا، إضعاف شرعية الحرب والتدخل العسكري الذي تم في 26 مارس 2015 من قبل ما سمي، حينها، بالتحالف العربي بقيادة السعودية. فذلك التحالف أستمد شرعيته عبر طلب رسمي من قبل الرئيس هادي، الذي يعترف به العالم كرئيس شرعي للجمهورية اليمنية، بهدف استعادة سلطته التي أسقطها الحوثيون، والمحافظة على الدولة اليمنية موحدة وفقا للتفويض الضمني الذي حصل عليه التحالف من قبل مجلس الأمن الدولي، في قراره رقم (2216).
وضرب قوات هذا الرئيس في عدن وإخراجها من العاصمة الموقتة، من قبل قوات انفصالية تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشريك الفعلي الأخير للسعودية في ذلك التحالف، يتناقض والهدف الرئيسي الذي أنشئ من أجله التحالف، وقرارات مجلس الأمن المتعلقة باليمن والتي تؤكد جميعها على وحدة وسيادة اليمن وسلامة أراضيه.
ووفقا لذلك؛ فإن الحكومة السعودية، قائدة التحالف، والوصي الفعلي على اليمن منذ بداية الحرب، تعتبر الطرف الخاسر من تلك العملية، سياسيا على الأقل، فتلك العمليات أظهرت أن سلطة هادي، المقيم في العاصمة السعودية الرياض لا تملك وجود حقيقي في اليمن وبأنها سلطة صورية تابعة للسعودية. وهذا يثير الكثير من الشكوك حول شرعية تدخلها العسكري، والذي خلف أكبر كارثة إنسانية من صنع البشر في العالم كما تصنفها الأمم المتحدة، وأودى بحياة (230) ألف يمني، بشكل مباشر أو غير مباشر، وفقا لتقديرات خبراء مكتب الشون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، والذي صدر في 13 أغسطس الحالي.
وإثارة الشكوك حول شرعية التدخل العسكري في اليمن، نتيجة تأكل سلطة هادي، يضيف أعباء سياسية وقانونية، على السعودية، ويحملها مسئولية ما حدث ويحدث في اليمن، ويخدم أعداء السعودية المحليين والإقليمين، وتحديدا الحوثيين، والذين يقولون بأن التدخل العسكري في اليمن لا يهدف إلى إعادة الشرعية وإنما تقسيم اليمن والسيطرة عليه من قبل السعودية والإمارات، وأحداث عدن أكدت تلك الادعاءات بشكل واضح.
وإذا كان الأمر على ذلك النحو؛ فإن السؤال الجوهري هو لماذا لم تتدخل السعودية لمنع تلك الاشتباكات قبل حدوثها؟ خاصة وأن قادة المجلس الانتقالي كانوا قد أعلنوا عن نيتهم مهاجمة المجمع الرئاسي وقوات الحماية الرئاسية عقب مقتل قائد ما يسمى بالحزام الأمني في بداية شهر أغسطس. فقد كان من السهل على السعودية منع تلك الاشتباكات قبل حدوثها أو في بدايتها على الأقل؛ فالسعودية هي اللاعب الرئيسي في الشأن اليمني ولديها من السلطة والقدرة ما يجعلها تطلب من الإمارات، منع تلك الاشتباكات أو إيقافها. فالإمارات دخلت الحرب في اليمن بطلب من السعودية، ولا يمكنها أن تتصرف بالضد من رغبة السعودية لأن بإمكان السعودية أن تخرجها من اليمن بشكل رسمي عبر الطلب من الرئيس هادي، والذي هو عمليا، تحت إدارتها الخروج من اليمن ومن التحالف.
هناك أكثر من تفسير للسؤال المطروح، أحد هذه التفسيرات المقبولة، يرجح بأن السعودية كانت منسقة وقابلة بما حدث، ضمن خطة مدروسة تهدف إلى إعادة هندسة ما يسمى الشرعية. ووفقا لتلك الخطة يتم إضعاف سلطة هادي في عدن وتقوية المجلس الانتقالي الانفصالي فيها وبقية مناطق الجنوب، ومن ثم الدعوة لحوار في السعودية يتم من خلاله تشكيل حكومة جديدة يكون للانفصالين وجود بارز فيها، وللمؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق صالح) على حساب هادي وحزب الإصلاح. إضافة إلى ذلك؛ يتم منح المجلس الانتقالي مسئولية إدارة محافظات الجنوب بما فيها عدن عبر تعيين محافظين ينتمون للمجلس الانتقالي.
ويعتقد مهندسوا هذه الخطة (السعوديون والإماراتيون) بأن عمل كهذا سينفخ الروح في الشرعية المهترئة ويقوي الجبهة السياسية/العسكرية لمواجهة الحوثيين، والتي تشهد ركود وتراجع كبير خاصة بعد أن تم إيقاف معركة الحديدة في ديسمبر الماضي.
ومع أن بعض عناصر الخطة، -إن تأكد وجودها أصلا- له بعض الوجاهة خاصة الشق المتعلق بإضعاف سلطة هادي التي تعاني من العجز والفساد وسوء الإدارة؛ إلا أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية، فمن الناحية السياسية والرمزية أدت أحداث عدن إلى التشكيك بشرعية التدخل العسكري، كما ذكرنا، كما أن إي إشراك لقوى انفصالية في حكومة الجمهورية اليمينة يزيد من اهترائها، ويتناقض مع دستور الجمهورية اليمنية، ومع البديهيات السياسية؛ إذ أن من غير المعقول منح قوة سياسية لا تعترف بالجمهورية اليمنية، وتطالب صراحة بتقسيمها، مناصب رئيسية في حكومة الجمهورية اليمنية.
وبغض النظر عن طبيعة الدور السعودي في أحداث عدن الأخيرة، أكان تواطؤ أم عجز أم سوء إدارة، فإن الشي المؤكد أن تلك الأحداث قد برهنت على فشل سعودي مريع في اليمن، فبعد ما يقارب الخمس سنوات من حرب سيئة الأداء والاخراج والنتائج، ها هي السعودية تغوص أكثر وأكثر في المستنقع اليمني، دون أي افق واضح لأي إنجاز حقيقي لحملتها حتى في الحدود الدنيا. وكل ذلك يشير إلى ركاكة سعودية واضحة في إدارة مصالحها ومواجهة الخصم الإيراني، وغيره من الخصوم.