حسابات الاقليم بشان اليمن
حسابات الإقليم والعالم لا تقوم على أساس امنحوا صنعاء للحوثيين وامنحونا المُلك في عدن فهذه حسابات ضيق...
جراح الوطن لن يداويها إلا ثبات المواقف وصدق الانتماء والإخلاص في القناعة بأن الأوطان أكبر من أي تجمعات او مكونات أخرى ..
كعادته ظهر الرئيس علي ناصر محمد في لقاءه الأخير مع صحيفة الفجر المصرية مدافعا عن حزبه الأول والكبير اليمن وظهر الرجل حاملا هم دولة وشعب وابتعد كعادته عن التجاذبات والصراعات المكوناتية والحزبية الضيقة واظهر أنه كبيرا ويصعب على أي مكون احتواءه ، تحدث عن اليمن عامة وتجاوز صراع الحدود الذي تنميه وتوقد فتائله أحلام الحكم عند البعض ..
تحدث الرجل عن اليمن عامة وتجاوز الحديث عن الشمال أو الجنوب منفردا وكأني به يريد إيصال رسالة بأن التشطير بصورته التي يسعى لها البعض حاليا أضحى جلبابا ضيقا لا يتناسب ومقاسات الرجل ولايتماشى مع رؤاه التي تهدف إلى وطن مستقر يقبل التعايش بين أبناءه ..
أظهر الرجل تسامحا مع من انقلب على شرعيته في 13يناير 1986م لدرجة وصل معها إلى تجاهل حق من حُسبوا عليه في تلك الأحداث المشئومة والذين تم اعتقالهم وتصفيتهم جسديا واخفائهم بتهم الإنتماء إلى مناطق مولدهم وقال في وصفه لتلك الأحداث بأنها أحداث صراعا سياسيا وليس صراعا قبليا وهو الأمر الذي قد نتفق مع سيادته في جزء منه ولكننا حتما سنختلف معه في جزء آخر كجيل عاش تلك المرحلة وكان ومازال شاهدا عليها فالصراع قد يكون بدأ سياسيا ولكن أسطر تاريخ نهاياته دونت بالحبر المناطقي الأسود والأدلة على ذلك مازالت متواترة منذ الساعة العاشرة وعشرين دقيقة يوم 13يناير1986م حتى هذه اللحظة التي يعيش فيها الجنوب أيضا صراعا سياسيا محمولا على اعناق أدوات مناطقية تحت مسميات مختلفة (مجالسا وائتلافات ومكونات وغيرها )،،!!
تطرق الرجل إلى مسائل عديدة وكان صادقا عندما وصف السلطة بأنها نارا اكتوى بها فهو الذي تدرج في مواقع السلطة ودفع فيها ثمنا لمواقفه المتمسكة بحق الشعب في اليمن بالعيش الكريم بعيدا عن شروط الطاعة والتبعية المطلقة للنظريات المتصارعة والدخيلة التي تخلى حتى عنها رعاتها وأصحاب الحق الحصري فيها لاحقا ، وحق اليمن كدولة في الالتحام بمحيطها الإقليمي والعربي والإسلامي ..
تناول الرجل في سياق مقابلته قضايا هامة لا يتسع المجال لحصرها رغم أهميتها القصوى في هذه المرحلة وتطرق إلى الظواهر التي تعصف بسلام الوطن واستقراره فاعلن رفضه للاقصاء كثقافة تتحكم باليات العلاقات بين مكونات الطيف السياسي اليمني شمالا وجنوبا وحذر من أي اتفاقات تتجاوز وتقصي الآخرين وأشار نصا إلى أن اليمن يحتاج إلى رئيس واحد وحكومة واحدة وجيشا واحدا وهو ما يتفق عليه الطيف الأوسع من مكونات اليمن السياسية والإجتماعية اليوم في الشمال والجنوب ..
ما يميز الرئيس علي ناصر محمد عن أقرانه من الساسة اليمنيين في الشمال والجنوب هو ثبات الرجل وعدم خضوعه لقوانين زلازل السياسة وتوابعها فمازال الرجل رغم كل الهزات التي عصفت باليمن شمالا وجنوبا يتمسك بقناعاته التي وضعها في وثائق مؤتمر القاهرة المنعقد في القاهرة في العام 2011م والذي رغم اختلافنا معه حينها إلا أننا وصفناها بالخطوة الإيجابية التي يجب التعاطي معها ، تلك القناعات التي كررها الرجل أمامنا في أول لقاء جمعنا به في العام 2016م والتي وصل إليها لاحقا مؤتمر الحوار الوطني اليمني في العام 2013م مع اختلافات طفيفة ، وهي القناعات والأهداف أيضا التي باتت تعتنقها اليوم اغلب القوى المتصارعة على الساحة سرا وعلنا والتي قامت عليها كل الاتفاقات حتى اللحظة ..
أوضح الرجل الكثير من الحقائق التي تظهر ما يدور اليوم في اليمن عامة من صراعا اقليميا تجاوز في خطورته حدود اليمن وبات الحل له يتطلب تظافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية وطالب الرجل بضرورة تدخل العقلاء مع تمسكه وتشديده بخطورة المساس بالسيادة الوطنية والقرار الوطني ..
بعث الرجل العديد من الرسائل الظاهرة وتلك التي تكمن بين السطور وذلك لجماعات التسابق والصراع على الحكم وأشار إلى أن التأثير الحقيقي للقوى على الساحة سيظهر من خلال الانتخابات وصناديق الاقتراع وهو ما يؤكد رفض الرئيس ناصر لمحاولات البعض اليوم في تكرار رسم لوحة التاريخ باللون الاسود من خلال فرض مبدأ القوة والاستحواذ وإقصاء الآخر وهو الفكر والسلوك الذي دمر اليمن شمالا وجنوبا وصنع مأساته الماثلة اليوم ، وهو أيضا الذي لم ولن يصلح ليكون اساسا لبناء اوطانا مستقرة ومستقلة وآمنة ..
كرر الرجل بنود مبادرته الأخيرة التي تقوم على مبدأ إيقاف الحرب ، ووجه رسالة إلى الأشقاء في التحالف العربي بأن يولو أهمية أكبر بالحوار وبالمساعي السلمية لإيقاف الحرب انطلاقا من أن استقرار اليمن هو استقرارا لدول مصر والخليج العربي والجزيرة العربية كليا لما يربط هذا المحيط من روابط جغرافية وسياسية وثقافية ..
وصفت صحيفة الفجر المصرية فترة حكم الرئيس ناصر بالعصر الذهبي لما شهدته اليمن في عهده من تطور عمراني واقتصادي وثقافي وسياسي وقالت عن الرجل أنه مازال يمثل املأ للكثير من ابناء اليمن باعتباره أحد أهم حكمائها ، وسواء اتفقنا مع الرجل وما ذهب إليه أو اختلفنا معه فإن الرئيس ناصر يظل محل تقدير واحترام اليمنيين والعرب والعالم لما يتصف به الرجل من حكمة ورجاحة عقل وثبات على الموقف فالرجل الذي طرح أكثر من مبادرة لحل الأزمة اليمنية الراهنة هو ذاته الرجل الذي واجه الاندفاع العفوي والحماسي الشعبي الجنوبي وهو في قمة اندفاعه حين تبنى الخيارات الواقعية التي تحترم إرادة هذا الشعب ولم يذهب إلى حيث ذهب أقرانه في التسويق لأنفسهم واحزابهم ومكوناتهم من خلال استغلال عفوية وحماس الجماهير والذهاب بها بعيدا عن الواقع بتبني أهدافا تخلى عنها أولئك البعض لاحقا تماشيا أيضا مع دواعي ذات التسويق وذات الأسباب !!
عبدالكريم سالم السعدي