الرئيس والنائب وصراع الأتباع

بدأت تربيطات حبال التحالف "الشرعي" في التفكك، وهو أمر كان محتملاً منذ سنوات، لكن تأجيل هذا التفكك كان سببه حرص "الشرعيين" على تكديس نقاط تفوق على بعضهم للبدء في خوض جولات الصراع المؤَجلة.

 

كل الصراعات السياسية في الكيان الواحد (أو المفترض أنه واحدٌ)، في أي مكان وزمان، تبدأ بتسريبات ثم بشتائم إعلامية ومن ثم تنتقل إلى المماحكات السياسية فالمواجهات المسلحة التي قد تبدأ محدودة ثم لا تلبث أن تتسع وقد لا تتسع، تبعا لظروف ومعطيات مختلفة لا يتسع المجال للخوض فيها في هذه اللحظة.

 

وقبل الاسترسال في تفكيك عناصر الظاهرة لا بد لي من القول إننا كجنوبيين لا نتمنى أن يتعرض الرئيس هادي وأنصاره لأي شر من قبل أي طرف، فعمليات الغدر والمكر والخذلان والخديعة التي تعرض لها من قبل أنصار اليوم وشركاء الأمس منذ اليوم الأول لتوليه مهماته ليست بالقليلة، وبنفس الوقت لا يهمنا أي صراع مع ممثلي الطرف الآخر إلا عندما يتعلق الأمر بالحق الجنوبي ومستقبل القضية الجنوبية التي ما انفكوا يتنكرون لمشروعيتها وأحقيتها بالحل العادل المستجيب لتطلعات الشعب الجنوبي، ويصرون على أن الجنوب لن يكون إلا ملحقا بهم وبمشاريعهم العدائية تجاهه وتجاه أبنائه.

 

لماذا يتصارعون؟

 

تعود جذور الصراع بين الأتباع إلى الأيام الأولى لاختيار الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي للترشح لرئاسة الجمهورية حينما اعتقد البعض أن الرئيس سيكون الأداة الجنوبية للاستمرار في تأبيد نتائج حرب 1994م على الجنوب، ثم تمكين المجموعة من وراثة الرئيس السابق بعد إجباره على التنحي في الظروف التي يعلمها الجميع، وقد تسربت الكثير من الأقاويل التي عبر أصحابها عن غضبهم من بعض القرارات المستقلة للرئيس وهناك من قال له: "نحن من أتى بك ونحن من سيقتلعك إن أردنا".

 

كانت فترة احتجاز الرئيس من قبل الجماعة الحوثية وتركه وحيداً يواجه مصيره بمفرده ما عدا أفراد حراسته وكلهم من الجنوبيين، كانت مرحلة واضحة من مراحل الصراع بين الرئيس ومراكز النفوذ القبلي والحزبي الشمالية، وقد قرأنا كتابات تزدري الرئيس وتصمه بأقبح الصفات، فهناك من قال بأن الرئيس هادي يمثل "وصمة عار على اليمنيين" أو انه "لعنة التاريخ"، وان "التاريخ سيدون اسمه في أكثر الصفحات سواداً"، ويعلم اليمنيون من أين يتلقى هؤلاء تعليمات ومكافآت الكتابة، ومع ذلك فقد صفح الرئيس عن هؤلاء وعين منهم السفراء والوزراء.

 

أما اليوم فالجميع يتابع الحملات الإعلامية التي تتهم الرئيس (الجنوبي كما يقولون) بتسليم البلاد للحوثيين أو بالتفريط بالسيادة الوطنية ووضع البلاد تحت هيمنة التحالف العربي (المعادي لليمن كما يقولون)، ويعلم الجميع من يقود ويوجه ويمول تلك الأدوات الإعلامية.

 

صراع الأتباع يتخذ بعدين: 

 

البعد الأول يتصل بنظرة ما تبقى من النخبة السياسية الشمالية المؤيدة للشرعية، وبالأحرى "الخاطفة لها" إلى وظيفة الرئيس الجنوبي، فهؤلاء يريدون موظفاً جنوبياً بدرجة رئيس جمهورية يمررون من خلاله ما يشاؤون وينهبون ما يريدون ويعقدون الصفقات البينية والمشبوهة باسمه وتحت توقيعه ويصدرون القرارات السيادية، السياسية والتنفيذية والعسكرية باسمه ومن مكتبه.

 

وقد نجحوا في هذا إلى حد كبير، من خلال حصار الرئيس بمجموعة من الإداريين والمستشارين وطابخي القرارات والسياسات، حتى وإن كان بعضهم بكل أسف من الجنوبيين، مع الإقرار بأن غالبية الشعب الشمالي وجزء غير هين من نخبته السياسية قد حسم أمره واختار الانحياز إلى الزعيم الشمالي الذي يمتلك حاضنة شعبية حقيقية، حتى وإن كان آتياً من أعمق دهاليز التاريخ، وأكثرها تخلفاً ورجعية، وما تخلي الغالبية الشمالية عن الزعيم الجنوبي إلّا تعبيراً عن غياب الحاضنة الشعبية التي يمكن أن تتبنى مشروعه وتدافع عنه.

 

والبعد الثاني: يتصل بصراع المصالح والغنائم، فمعظم الذين يحيكون الدسائس ضد الرئيس هادي وتياره السياسي في الشرعية، هم ممن كونوا مصالحهم العملاقة في الجنوب منذ حرب 1994م على شكل أراضٍ منهوبة ووكالات تجارية وقطاعات نفطية ومبانٍ ومنشآت ومؤسسات حكومية مستولى عليها، وقد وسعوها من خلال الحرب الجارية التي أدرَّت على البعض مئات المليارات من خلال الوحدات العسكرية الوهمية والأسماء الوهمية ونهب المخصصات وتهريب الأسلحة والوقود وحتى الممنوعات إلى المناطق الحوثية، أو من خلال نهب الدعم العربي وبيع بعضه للحوثيين كما حصل في المعسكرات التي سلمها القادة طوعا للحوثيين في نهم وصرواح وقانية ومديريات الجوف ومأرب وسواها.

 

أحداث لودر في أبين وعتق ومناطق أخرى في شبوة، والمواجهات المسلحة بين الأتباع تلخِّص مشهداً كبيراٍ ظلَّ متوارياً خلف ضجيج الصراع مع الجماعة الحوثية التي تزحف كل يوم على مواقع جديدة مما تبقى للشرعية، بينما يصر الإعلام الشرعي بغباء مفرط بأنه  ينتصر على هذه الجماعة.

مقالات الكاتب

عودا حميداً أبا فادي!!

يعود إلى أرض الوطن المناضل الوطني حسن أحمد با عوم بعد غياب أكثر من عقد من الزمن، وقد كان لغيابه عن ا...