عن ثورة 26 سبتمبر .. العَفَن الذي أسقط السفينة ، ولم يغرقها
٢٦ سبتمبر كانت السفينة التي حملت اليمنيين وأبحرت بهم من المياه الضحلة الى المدى الذي أخذت معه مياه ا...
- لم يخيب الحوثيون كل التوقعات بأنهم لن ينسحبوا من الحديدة ولا من مينائها، وأن الالتزامات التي قدموها للمبعوث الأممي لم تكن سوى مناورة لكسب الوقت ، وكسر مسار العمليات العسكرية بمزيد من الضغوط الدولية . هذا ما أسفرت عنه زيارات المبعوث المكوكية إلى صنعاء .
- لم يكن مطلوباً التفتيش قي نوايا الانقلابيين لمعرفة هذه الحقيقة . يكفي أن نستعرض التجارب الماضية ليعرف العالم أن التسويف كان وراء عدم تنفيذ أي إلتزام يقدموه للمجتمع الدولي ، وأن التحذير من ذلك لم يكن تجني ، أو أنه من غير أساس . جبلوا على المراوغة لأسباب تتعلق بطبيعة المشروع الفاسد الموكل إليهم تنفيذه وأسلوب إدارته المتداخلة مع حاجة نفس المشروع في ساحات أخرى ، ومركز إدارته طبعاً في طهران .
- يكفي أن نشاهد أنه أثناء الفترة التي علقت فيها الحكومة وتحالف دعم الشرعية العمليات العسكرية في الحديدة إستجابة لطلب المبعوث الدولي لمواصلة مشاوراته بتحقيق الانسحاب من المحافظة سلمياً تجنباً للمزيد من الدمار ، كان الحوثيون يزرعون الألغام ويفخخون الميناء والبحر ويهاجمون ويتسللون ويفجرون لاستعادة المواقع التي دحروا منها ، ويطلقون الصواريخ الى المناطق المأهولة وعلى ناقلات النفط في الممرات الدولية ، ويتحدثون عن تفجير طائرات بدون طيار بصورة عشوائية مصحوبة بحملات إعلامية وضجيج لا يضاهيه إلا ضجيج وخطابات قائد الحرس الثوري الايراني الذي ظل يعلن بصريح العبارة أن البحر الأحمر لم يعد آمناً .
- أعتقد أن محصلة التجربة الماضية ، وحتى الآن ، تقدم الدليل الكافي على أن إغراق اليمن في هذه الحرب هو قرار إيراني نفذه الحوثيون ، وهدفه في الأساس تجميع أكبر قدر من الأوراق بيد النظام الايراني لتوظيفها إقليمياً ودولياً لإعادة تكريسه كشرطي للمصالح الدولية في المنطقة على غير ما يبرزه الخطاب الاعلامي للنظام من خلاف مع هذه المصالح .
- وفي حين يعمل هذا النظام على إعداد نفسه كشرطي ، فإن دوائر إمبريالية أوروبية تعمل على إبقائه "كبعبع" بهدف استنزاف وابتزاز ثروات المنطقة ، وما نلاحظه من تخبط في السياسة الدولية وانقسامات تجاه هذا الدور إنما هو ناشئ عن المراوحة بين الخيارين .
- إيران لا تريد أن تبقى مجرد بعبع يتكسب الآخرون من ورائها ، لكنها تريد أن تلعب دور الشرطي ، في استدعاء مُلفت لمشروع الشاه المعروف ، ولكن بأدوات أخرى لا صلة لها بالقوة الذاتية ، وإنما بتخريب الأنظمة المحيطة واشاعة الصراعات والحروب الطائفية فيها عبر وكلائها المحليين ، وتصبح التسويات مع كلائها في كل دولة على حدة وسيلتها للسيطرة على جزء من القرار المحلي والإقليمي.
- لا خيار آخر غير أن يهزم هذا المشروع في اليمن ليبقى اليمن لأهله جميعاً كمواطنين بدون تراتبية حمقاء مغرقة في تقسيم الناس بين سادة ورعية ، ويلتحق بعمقه العربي الذي يؤمن للمنطقة الاستقرار بعيداً عن دور الشرطي والبعبع .
- التسوية مع هذا المشروع باقتسام القرار ستكون خطيئة كبرى ، ستبقي اليمن بؤرة للحروب والاستقطابات وعدم الاستقرار .. وسيرتب هذا النوع من التسوية إذلالاً لمشروع الدولة الوطنية والشخصية العربية عموماً في المنطقة . وعلى الحوثيين أن يختاروا بين دولة المواطنة التي تؤمن لليمن واليمنيين جميعاً السلام والاستقرار ، وبين هذا المشروع الفاسد الذي يوهمهم بالسيادة على اليمنيين بكل ما يحمله من خراب وفاحشة .
- لا يحتاج الأمر إلى ذكاء لمعرفة المسار الذي يجب أن تتجه إليه الأحداث بعد كل هذا ، كل ما في الأمر هو أن ترمم الشروخ في جدار القرار المقاوم والتي يتسلل منها بعض الهواء الملوث .