أستقبال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشهر لرمضان

▪️كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعد بنفسه لأستقبال هذا الشهر العظيم بفرح وسرور بالغين هو يحث أصحابه على أستقباله بكل ما يستحقه من تهيئة النفوس وتصفية القلوب ومن طموحات وآمال ومن تدبير وتشمير، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا كان أوَّلُ ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدَت الشَّياطينُ، ومرَدَةُ الجنِّ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّار، فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبوابُ الجنَّة، فلم يُغلَق منها بابٌ، ويُنادي مُنادٍ: يا باغِي الخير أَقبل، ويا باغِي الشَّرِّ أَقصر، ولله عُتَقاءُ من النار، وذلك كُلَّ ليلةٍ).[ الترمذي].

▪️إن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو محل القدوة والأسوة، كان يستقبل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، باهتمام بالغ وعناية كاملة وقد ورد في الأحاديث الصحيحة التي رواها كبار أئمة الحديث مثل البيهقي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم، نموذج لطريقة استقباله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقدوم رمضان المبارك: “قال سلمان الفارسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خطبنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر يوم من شعبان، قال:”يا أيها الناس قد أظلكم شهر جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم بشيئ، قالوا يا رَسُولُ اللَّه، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو على شربة ماء ، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، استكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لاغناء بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه وأما اللتان لاغناء بكم عنهما فتسألون اللَّه الجنة، وتعوذون به من النار، ومن سقى صائما سقاه اللَّه من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة”.

▪️وروى عن عبدالله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ).[رواه البخاري]. وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وهكذا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعد نفسه وأصحابه وأمته جميعا في كل زمان ومكان إلى الأبد لاستقبال سيد الشهور ، ولتأكيد معانيه العظيمة وانقضاء فترة التدريب بل يجب أن يكون كل فرد من المسلمين قد تزود منه بطاقات تضمن ديمومة تلك المعاني والدروس المستفادة من أعماق شهر القرآن والنور والفرقان، مدى بقية الأيام والشهور والسنين من عمره.

▪️لقد كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتفل برمضان ويحتفي به وينبه أصحابه وأمته لفضيلة هذا الشهر وكيفية استقباله، واغتنام أيامه ولياليه دون إفراط أو تفريط، فيقول: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم).[صحيح سنن ابن ماجه: 1333].
 
▪️ومع أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُرَغِّب في صوم التطوع، ويُكثر من الصوم في شعبان، فكان يصوم حتى يقولوا لا يفطر، إلا أنه نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وذلك لمعنى الاحتياط لرمضان، وينهى عن صيام اليوم الذي يُشك فيه، ويقول: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).[رواه البخاري].

▪️وروى عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (قال الله عز وجل: كل عمل بن آدم له إلّا الصيام؛ فإنّه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقُل: إنّي امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، [رواه البخاري ومسلم].

▪️وروى عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال، فإن غُم عليكم فاقدروا له).[رواه البخاري].

▪️وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومًا فليصم ذلك الصوم).[رواه البخاري].

▪️وكان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب تأخير السحور وتعجيل الفطر، ويقول: (تسحروا فإن في السحور بركة).[رواه البخاري].

▪️عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْر رواه البخاري (1957)، ومسلم (1098).

▪️وكان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخص رمضان من العبادة بما لا يخص به غيره من الشهور، وكان يواصل فيه أحيانًا فيصل الليل بالنهار صائمًا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصال ويبين لهم أن الوصال في الصوم من النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعناه كما قال القاضي عياض: "متابعة الصوم دون الإفطار بالليل"، وقال ابن الأثير: "هو أن لا يُفْطِرَ يَوْمَيْن أو أيَّاما"، وقد نهى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين عن صوم الوصال، لكنه كان يواصل الصوم يومين بل ثلاثة أيام متوالية، لا يأكل فيهن ولا يشرب، ولما أراد بعض الصحابة رضوان الله عليهم أن يقتدوا به في ذلك، نهاهم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل؟ قال: لستُ كأحد منكم، إني أُطْعَم وأُسْقَى، أو إني أبيت أُطْعَم وأُسْقَى).[رواه البخاري]. وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إيَّاكُم والوِصال، قالوا: فإنَّك تواصِل يا رَسُولُ اللَّه! قال: إنَّكم لستُمْ في ذلك مثلي، إنّي أبِيتُ يطعِمُني ربِّي ويَسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تُطيقون).[رواه مسلم]. وفي رواية للبخاري: (نهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوصال، فقال: له رجال من المسلمين: فإنّك يا رَسُولُ اللَّه تواصل! فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيّكم مثلي، إنيّ أبيت يطعمني ربّي ويسقين، فلمّا أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثمّ يوما ثمّ رأوا الهلال، فقال: لو تأخّر لزدتكم، كالمنكّل بهم حين أبوا).[رواه البخاري].

▪️وكان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسافر في رمضان للغزو وغيره، ويجاهد في سبيل اللَّه في رمضان، وكان في سفره يصوم ويفطر، ويخير الصحابة بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله، وسافر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان في أعظم الغزوات وأجلها في غزوة بدر، وفي غزوة الفتح، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: خرج رَسُولُ اللَّه عام الفتح في رمضان فقام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، وكان أصحابه يتتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه الناسخ المحكم، وإنما أفطر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قيل له إن الصوم قد شق على الناس، فلما علم أن بعضهم ظل صائمًا قال: «أولئك العصاة».*

▪️وكان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يزيد في قيام الليل عن إحدى عشرة ركعة في رمضان وفي غير رمضان، وكان يطيل في الصلاة حتى خافوا أن يفوتهم السحور، وكان يحث على صلاة النافلة في البيوت ويقول: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، اجعلوا في صلاتكم من بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

▪️وكان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكف العشر الأواخر من رمضان، ويجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، وأعتكف نساؤه معه ومن بعده، وكان يحرص على إدراك ليلة القدر ويتحراها ويأمر بتحريها في العشر الأواخر، وربما كان اعتكافه لهذا الغرض، فعن أبي سعيد الخُدْري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَعْتَكِفُ في العَشْرِ الأَوْسَطِ من رمضان. فاعتكف عامًا، حتى إذا كانت لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وهي اللَّيْلَةُ التي يخرج من صَبِيحَتِهَا من اعتكافه- قال: من اعتكف معي فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ فقد أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثم أُنْسِيتُهَا، وقد رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ من صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، والتمسوها في كل وِتْرٍ. فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تلك الليلة، وكان المسجد على عَرِيشٍ، فَوَكَفَ المسجد، فَأبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى جَبْهَتِهِ أَثَرُ المَاءِ وَالطِّين من صُبْحِ إحْدَى وَعشْرِيْنَ).[صحيح].[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

▪️جاء عن أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ).[رواه البخاري].

▪️وروى عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في ليلة القدر: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان).[رواه البخاري، ورواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما].

▪️وروى عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا قالت: "قلت: يا رَسُولُ اللَّه، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟" قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).[رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني].

حديث أستقبال رمضان :
➖➖➖➖➖➖
▪️حديث أستقبال رمضان لقد ورد حديث استقبال رمضان ورؤية الهلال عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونصّ الحديث، الوارد عن عبدالله بن عمر عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا رأى الهلالَ قال: (اللَّهمَّ أهِلَّه علينا بالأمنِ والإيمانِ والسَّلامةِ والإسلامِ والتَّوفيقِ لِما تُحِبُّ وتَرضى ربُّنا وربُّكَ اللهُ).[صحيح ابن حبان]. وهو من أحاديث الفضائل، فلا بأس أن يدعو المسلم بهذا الحديث الشريف الوارد عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا رأى المسلم هلال رمضان يُستحب أن يدعو بهذا الدعاء لأستقباله، لما في هذا الدعاء من الأجر الكبير والخير العظيم.

▪️لا تنسونا من صالح دعائكم 🤲

▪️اللَّهُمَّ اني قد عفوت عن جميع خلقك وعن كل من ظلمني أو أغتابني فاعفوا عني وأكرمني بعفوك ورحمتك ورضاك يا كريم وبلغنا رمضان ونحن بأتم صحة وأفضل حال.

القاضي أنيس صالح جمعان

مقالات الكاتب

أحسنوا الظن بالآخرين

إذا أتصلت بشخصٍ ولم يرد عليك، وكررت الإتصال ولم يُجب، ثم قابلته في اليوم التالي أو بعده، من الأفضل أ...

مختصر الحياة

إن الحياة قصيرة .. لو كانت الدنيا مثلما نريد لما تمنينا الجنة، لإن جميع ملذّات هذه الدنيا ستفقدها، و...

أهلاً عام المحبة والسلام

اللَّهُمَّ إني أستودعك عام مضى من عمري بأن تغفره لي، وترحمني، وتعفو عني، وأن تبارك لي في أيامي القاد...