إينما وُجدت العدالة يوُجد الوطن !!

إينما وُجدت العدالة وُجد الوطن، لهذا لم يهاجر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة بسبب كفر أهلها، بل هاجر بسبب ظلمهم ولم يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لإيمان حاكمها بل لعدالته !!

إن حبّ الأوطان مرتبط أرتباطاً وثيقاً بحبّ الدّين؛ فحبّ الوطن يتحقق بحبّ الدّين إذ أن مبادئ وقيم الدين الإسلامي تحث على حبّ الوطن، حيث قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما خرج من مكة المكرمة: (ما أطيبَكِ من بلدٍ وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سَكَنتُ غيرَكِ).[رواه الترمذي].

إن الوطن الذي نتحدث عليه، لا يمكن أن يكون مجرد مكان للإقامة أو أسم نضعه في بطاقة الهوية وجواز السفر وغيرها، وإنما الوطن هو مكان الذي نسكنه ونقيم فيه حضارة معينة بكل تجلياتها؛ فهو الحضن والملاذ الآمن الذي تأوي إليه أرواحنا ونفوسنا، والبيت الكبير الذي يأوينا، إذ نولد فيه ونتربى ونترعرع ونكبر في كنفه، وتكبر فيها أحلامنا، ونتمنى أن نموت وندفن فيه !!

اليوم العدالة في وطننا تتهاوى بالمحسوبية والمناطقية وأضحى أقطاعية لفئة محددة من الناس على أساس قاعدة الأقربون أولى بالمعروف، بينما الوطن نجد أبناؤه ينهشون في جسده يمزقونه بأسنانهم كالكلاب الضالة، ويقطعونه أجزاء بأسم الشعارات الثورية الكاذبة الذي أضحت اليوم أضحوكة الجميع !!

إن العدل والوطن مساران يكملان البعض يتوجب إصلاحهم من الداخل، ونبدأ بالعدالة أولاً كونها صرح المظلومين في كل زمان و مكان، ومن باب أولى تزكية النفوس المخلصة فيها بأعطاء الحقوق لمنتسبيها كحقوق مكتسبة التي تنادى إليها الجميع من قبل صف واحداً، وصوتاً واحداً، وقلب واحداً، وتعاهدنا معاً أن العدالة يجب أن تكون خيمة للجميع نستظل فيها لإسترداد الحقوق، ويكون الراعي فيها أب راعياً لا يفرق بين رعيته، أو يتعالى عليهم مستمداً بما قد يصل إليه، حتى لا يسري الظلم بعدها على البلاد والعباد !!

لقد كتبنا عن الظلم مراراً وتكراًراً، ومن أقرب المحبين أكتوينا بناره، وأصبح الظلم لنا عنواناً، حتى ترائ لنا الوطن يختفي و يتوارى بعيداً عن أنفسنا، إلى أفق سحيق، لا يحق لنا أن نفرح فيه، كما يفرحون، و قد صفدت فيه القيود في معصمة، حيث أقتسموه فيما بينهم، ولكن الظلم لن يستمر وكل ظالم له نهاية، وسيسقى الظالم بما ظلم !!  

إن الإسلام الذي ننتمي إليه قد حرم الظلم، لإن عاقبته وخيمة، وشرّه عظيم، ولهذا حرَّمه اللَّه لما يترتب عليه من العدوان والشر ونشر الفساد في الأرض والبغضاء والعداوة بين الناس، والظلم إذا أُطلق يُراد به الشرك الأكبر، كما جاء في قوله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ). [غافر: 18]، وقال تعالى في الظلم: (وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).[الشورى: 8]، وقال تعالى أيضاً: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا).[الفرقان: 19].

نصيحة .. يجب أن نكون صادقون في أحقاق العدل بين الرعية دون نقصان، وصادقون في حبّ وطننا ونحبه حباً خالصاً، فيجب أن نحبه من دون رفع الشعارات الكاذبة التي ظاهرها الولاء والحب والتضحية، وفي باطنها النهب وظلم الآخرين، والإبتعاد عن المناطقية والمحسوبية وغيرها، وحبنا للوطن يكون بالإنتماء الحقيقي إليه، والسعي على نشر السلام والأمن والوئام في ربوعه، وتحقيق العدالة الإجتماعية للجميع !!
 

ختاماً .. نكرر القول دائماً إينما وُجدت العدالة وُجد الوطن !!

القاضي أنيس صالح جمعان

مقالات الكاتب

أحسنوا الظن بالآخرين

إذا أتصلت بشخصٍ ولم يرد عليك، وكررت الإتصال ولم يُجب، ثم قابلته في اليوم التالي أو بعده، من الأفضل أ...

مختصر الحياة

إن الحياة قصيرة .. لو كانت الدنيا مثلما نريد لما تمنينا الجنة، لإن جميع ملذّات هذه الدنيا ستفقدها، و...

أهلاً عام المحبة والسلام

اللَّهُمَّ إني أستودعك عام مضى من عمري بأن تغفره لي، وترحمني، وتعفو عني، وأن تبارك لي في أيامي القاد...