DW
يتجمع السود في مجتمعات محددة غير مؤهلة، بالغالب تنتشر في مختلف محافظات اليمن بنسب متفاوتة، ويعيشون في مساكن الصفيح أو الطوب الإسمنتي وأحياناً من علب الصفيح الفارغة، كما يعملون بمهن متواضعة. DW عربية تابعت قصصهم.
يقضي عادل أحمد علي، أحد اليمنيين السود، ساعات يومياً يجمع خلالها العلب البلاستيكية الفارغة لبيعها بأسعار زهيدة، ليعود بما يمكن أن يعود به، لإعالة أسرته، التي تسكن في تجمعٍ خاصٍ بالمنتمين لما يُعرف بـ"المهمشين"، والذين يعانون التمييز ويعملون بمهن متدنية وتفاقمت أوضاعهم المعيشية في ظل الحرب، غير أن نعمان الحذيفي، استطاع بالمقابل، أن يثبت أن اللون ليس عائقاً فاقتحم مجالات الإعلام والسياسة، ويعمل إلى جانب آخرين في سبيل تجاوز المعوقات الاجتماعية التي تواجه السود في اليمن.
تتألف أسرة عادل من زوجته وسبعة أطفال إلى جانب شقيقه، ويعيش في مسكنه المبني من الطوب الاسمنتي كأغلب مساكن تجمع "المهمشين" في منطقة تُسمى "المَحَوى" في حي "عَصِر" غربي صنعاء، ويعتبر نفسه في حديث لـDW عربية عاطلاً عن العمل، يخرج من منزله يومياً ليجمع العلب البلاستيكية الفارغة ليبيعها 20 ريالاً يمنياً مقابل الكيلوجرام واحد، ومثله علي شوعي علي صالح، الذي يعول أربعة أطفال ويعمل ببيع العلب الفارغة ويجني منها 400 إلى 500 ريالاً (حوالى دولار واحد أمريكي.)
عادل وعلي من السود الذين يعانون التمييز، حيث يعيشون في تجمعات محددة غير مؤهلة بالغالب تنتشر في مختلف المحافظات بنسب متفاوتة، وتبنى مساكنهم من الصفيح أو الطوب الإسمنتي وأحياناً علب الصفيح الفارغة، كما يعملون بمهن متواضعة، إذ تقتصر مهنتهم على العمل كمنظفين عند بلدية العاصمة، وبعضهم يعتمد على المساعدات فيما تلجأ أسر أخرى إلى التسول، وخصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد منذ سنوات.
مشاريع من العدم
وعلى الرغم من الظروف، يتجه العديد من اليمنيين السود إلى مشاريع محدودة، لتوفير دخلهم، وهو حال ناصر مقبول 28 عاماً، والذي شق طريقه معتمدا على جهوده، فمع موجات الغبار التي تضرب صنعاء من فترة لأخرى، اتجه إلى تكوين مشروع صغير لغسيل السيارات والمركبات العامة على احدى ارصفة الشوارع الكبيرة وسط العاصمة.
يُعيل ناصر أسرة من زوجة وثلاثة أطفال، ويتكون مشروعه من خمسة خزانات مياه متوسطة الحجم، ومثلها مولدات كهربائية موصلة بخرطوم مياه قاذف للماء بقوة إلى السطح الخارجي للعربات والسيارات، ويقول لـDW عربية إنّ الفكرة كانت تراوده منذ عام مضى، كلفته مبلغ مالي يقدر بـ100 الف ريال، ويعمل معه ستة أشخاص من ذات الفئة، بأجر يومي يتناوبون على غسيل السيارات بالماء والصابون، بمعدل عامل واحد عند كل خزان ماء لغسيل ما متوسطه 10 إلى 15 سيارة يومياً، ويؤكد ناصر أنه "نجح في توفير حاجيات اسرته إلى حد ما، وكفاهم مشقة الحاجة للغير".
قصة نجاح قادت الناشط الحذيفي إلى واشنطن
وعلى عكس ما هو سائد، يمثل نعمان الحذيفي، الأربعينية نموذجا مختلفاً، فقد تجاوز التحديات الاجتماعية ليقتحم المجال الإعلامي والسياسي، ويؤسس منظمات مدنية تُعنى بشؤون ذوي البشرة السوداء اليمنيين، كما أسس موقعاً إعلامياً على الانترنت يُعنى بقضاياهم (متوقف حالياً بسبب الظروف) ويتابع مع العديد من المنظمات المعنية بتحسين ظروف حياة أبناء هذه الفئة ليعيشوا كغيرهم من اليمنيين.
أجبرت الحرب الحذيفي، والذي يرأس "الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن" على النزوح من صنعاء إلى قريته "بلاد الحذيفي" في منطقة العدين بمحافظة إب، ومنها تحدث ل DWعربية، حيث يتابع من خلال هاتفه النقال زهيد السعر (لا يوفر حتى تطبيقات التواصل)، مستجدات وقضايا بني بشرته، ويقول إنهم فئة اجتماعية يبلغ تعدادها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، يعيش غالبيتهم في أوضاع مأساوية ببيوت مبنية من الصفيح على أطراف المدن، ومعظمهم يمارس مهناً اجتماعية متواضعة كالتنظيف وتجميع المواد البلاستيكية والرقص بالأعراس وغيرها.
ويكشف الحذيفي عن جهود بٌذلت على مدى الأعوام العشرين الماضية، للأخذ بأيدي هذه الشريحة، لتنال حقوقها، حيث أصبح هناك نحو 120 منظمة مدنية تُعنى بفئة المهمشين، استطاعت رسم ملامح المستقبل "الذي نتطلع إليه أو نتطلع لأن يعيشه أحفادنا"، ويشير إلى تجربته كعضو في "مؤتمر الحوار الوطني الشامل"، الذي انعقد في الفترة مارس/آذار 2013 وحتى يناير/كانون الثاني 2014، وخرج بقرارات منها المطالبة بإعطاء 10 بالمائة من الوظائف لفئة المهمشين، كما "استطعنا أن نوفد الكثير من شبابنا للتعلم والتدريب في الخارج"، ويشير في هذا السياق إلى زيارته للولايات المتحدة بدعوة من وزارة الخارجية بواشنطن، للاستفادة من تجارب "أبناء جلدتنا" في أميركا وأفريقيا.
الإنسان يجد وطناً حيثما يشاء
يرى الحذيفي أن "المهمشين"، ككل الفئات الاجتماعية في اليمن، إذا ما أتُيحت لهم الفرص، بمقدورهم الاندماج بالمحيط الاجتماعي بصرف النظر عن النظرة الاجتماعية، وبرأيه أن "الإنسان يضع نفسه حيثما شاء"، ويتابع "أنا هنا في هذه البلاد (القرية التي يعيش فيها)، أكاد أحظى باحترام أبناء قريتي أكثر من احترام المهمشين أنفسهم"، إذ ليست هناك مشكلة سوى بالوضع الاقتصادي فيما "القادم" - المستقبل - ، كفيل بتغيير النظرة الاجتماعية "طالما نحن ندين بدين واحد وثقافتنا واحدة وعاداتنا واحدة"، وبالتالي فإنّ اللون ليس معياراً لتحديد مبدأ المواطنة".وكجزء من النسيج الاجتماعي اليمني، المتضرر بالحرب، وحسب الأمم المتحدة فأن ما يقرب من 80 بالمائة من سكانه بحاجة إلى مساعدات إنسانية، كما أن هناك مئات ألوف المتضررين من المهمشين، ممن أجبروا على النزوح أو يعيشون محاصرين بنيران القذائف بتعبير الحذيفي، الذي أشار في حديثه إلى DW، إلى تأثير التصعيد في الساحل الغربي عليهم، حيث أن جزءاً كبيراً من السكان في تلك المناطق، التي تهددهم القذائف والألغام هم من "المهمشين".