الرئيس علي ناصر: الشيخ زايد الوحيد من دعم مركز الدراسات الاستراتيجية

كريتر سكاي/خاص:

إعداد / د. الخضر عبدالله :

دعم حكيم العرب لمركز الدراستات الاستراتيجية

يواصل الرئيس علي ناصر حديثه مع حكيم العرب زايد بن نهيان ،حيث تطرق في الحلقة الماضية ان السياسة ليست نهاية الحياة ، وكذا فكرة إنشاء مركز الدراسات الاستراتيجية .. وفي هذا العدد يروي لنا عن الدعم السخي الذي قدمة حكيم العرب زايد للمركز.. وقال مستدركا:" وللحقيقة والتاريخ، فإنّ الشيخ زايد قدّم دعماً مالياً للمركز منذ تأسيسه، وكان الرئيس العربي الوحيد الذي قدّم هذا الدعم الذي أسهم في استمرار نشاط المركز ومؤتمراته وندواته، وقد استمر حتى وفاته رحمه الله.

  وكان من المقرر افتتاح فرع للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية في أبو ظبي، غير أنّ نظام علي عبد الله صالح أجهض ذلك. وأتذكر أنّ الرئيس الجزائري الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يقيم حينها في أبو ظبي، اقترح أن نسمي المركز (مركز زايد للدراسات الاستراتيجية) بدلاً من المركز العربي، على أن يرأسه بوتفليقة شخصياً. وقد وافق الشيخ زايد رحمه الله على المشروع، وعلى تعيينه رئيساً للمركز، واعتماد ميزانيته، ومقره وتخصيص سكن لموظفيه. وبعد أن استكملنا كافة الإجراءات، واستأجرنا المقرّ والشقق، جرى التراجع عن المشروع. وعلمتُ أنّ ذلك حصل بتدخل وضغوط مارسها نظام صنعاء حينها. وقال لي السفير اليمني لدى الإمارات في ذلك الوقت، ضيف الله شميلة، إنني أحرجتُ الإمارات بقيام هذا المركز، وشعرتُ وقتها بأنه تدخل شخصياً بطلب من رئيسه علي عبد الله صالح، واتخذ القرار بوقف كل الإجراءات المتعلقة بقيام المركز. وقدّرتُ اتخاذ مثل هذا القرار، حرصاً على العلاقات بين البلدين.

اجهاض المشروع

 ويوضح الرئيس ناصر  في حديثه :" بعدها عدتُ إلى دمشق، مقرّ إقامتي والمقرّ الرئيس للمركز، وغادر عبد العزيز بوتفليقة إلى الجزائر عام 1999، حيث انتُخب بعد فترة رئيساً لها. ومن دمشق أخذتُ أُدير نشاط المركز وفروعه بالإمكانات القليلة المتاحة.

  لم نستطع إنشاء فرع للمركز في أبو ظبي للأسباب التي أشرتُ إليها، لكن عقدنا فيها واحدة من أهم وأكبر ندواته على الإطلاق برعاية الشيخ زايد شخصياً. وقد أسّسنا فرعاً للمركز في إمارة رأس الخيمة، وجاءت فكرة تأسيسه عندما التقيتُ بالشيخ خالد بن صقر القاسمي، وليّ عهد الإمارة حينها، على هامش الندوة التي شاركتُ فيها، والتي أقامها الدكتور سعيد سلمان، رئيس جامعة عجمان في رأس الخيمة، وشارك فيها الدكتور عصمت عبد المجيد في شباط/ فبراير 1996م بإشراف وليّ العهد الشيخ خالد، ورعاية والده صاحب السموّ الشيخ صقر بن محمد القاسمي، عضو المجلس الاتحادي الأعلى، حاكم رأس الخيمة.

وافق الشيخ خالد على تأسيس فرع للمركز في رأس الخيمة عندما طرحتُ الفكرة عليه، وكذلك حظي التأسيس بموافقة صاحب السموّ الشيخ صقر بن محمد القاسمي. وبعد تأسيس المركز، الذي توالى على رئاسته كل من محمد عمر بحاح والدكتور أحمد هادي، وتولى الإشراف العلمي عليه الدكتور حمد محمد بن صراي، أجرى العديد من الدراسات والترجمات التي تناولت قضايا خليجية، وأسهم الفرع بدور فعال في الندوات التي نظمها المركز العربي للدراسات الاستراتيجية في دمشق وبيروت والقاهرة وطرابلس الغرب، لكن نشاط الفرع توقف بعد ذلك لشحّ الإمكانات والموارد المالية. "

حل مستقبل الوطن العربي ومشكلة الجامعة العربية

ويسترسل الرئيس ناصر  في حديثه ويقول :" أما كيف جاءت فكرة عقد الندوة في العاصمة الإماراتية، فأذكر أنني التقيتُ الدكتور عصمت عبد المجيد، الأمين العام لجامعة الدول العربية حينها عام 1996م، وكان حديثنا عن مستقبل الوطن العربي ودور الجامعة، وكان هناك قلق يزداد مع الوقت في الأوساط السياسية والثقافية العربية من ضعف مستوى أداء جامعة الدول العربية في حلّ المشاكل العربية والتضامن العربي، والبحث عن طرق لتفعيل مستوى أداء مؤسساتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية ومحكمة العدل العربية وغيرها.

 يومها، أكدتُ للأمين العام د. عصمت عبد المجيد، أن المشكلة لا تكمن في الجامعة بحدّ ذاتها، ولكن في مواقف الدول الأعضاء فيها من الجامعة، لأن بعض الدول العربية لا تريد للجامعة أن تنهض وتقوم بدورها القومي بعد أن أنشأت لنفسها كيانات بديلة على حساب الجامعة ودورها.

   قلتُ صراحةً للأمين العام إن القادة العرب يتحملون مسؤولية ما جرى ويجري للجامعة، وليس الأمين العام وكادرها الذي يعاني من شحّ في الموازنة، إلى درجة العجز عن دفع مرتبات موظفيها. واقترحتُ عليه أن نطرق باب حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان، لتنظيم ندوة في أبو ظبي تحت رعايته الكريمة، عن مستقبل الوطن العربي ودور جامعة الدول العربية، وقد استحسن الدكتور عصمت عبد المجيد الفكرة.

اللقاء مع زايد حول مستقبل الوطن العربي

ويقول الرئيس ناصر  مردفا في حديثه :" عندما زرتُ الإمارات عقب هذا اللقاء، التقيتُ بالشيخ زايد في اليوم التالي لوصولي إلى أبو ظبي، كما عوّدني في كل زيارة لي للإمارات. وكان يحرص على الاتصال بي شخصياً، هو أو مدير مكتبه في أيّ مكان أكون فيه، ليقف على رأيي في أحداث الأوضاع وتطوراتها في اليمن، شمالاً وجنوباً، أو في العلاقات بين سورية والعراق، وغيرها من تطورات الوطن العربي وأحداثه، إذ كان يحمل في قلبه الكبير همومه وقضاياه، وقضايا أمته العربية وهمومها، التي كانت بدورها تحمل ــ ولا تزال ــ الحب والتقدير والاحترام له، حيّاً وميتاً، لمواقفه الإنسانية تجاه أمتيه العربية والإسلامية.

  في نهاية لقائي مع الشيخ زايد، وكان ذلك في نهاية عام 1996، طرحتُ على سموّه فكرة الندوة وأهمية عقدها في أبو ظبي تحت رعايته شخصياً. وقد رحّب بها على الفور، ومن دون أي تردد، وأصدر توجيهاته لنجله الشيخ سلطان، نائب رئيس الوزراء حينها، ووزير الأشغال، بالإشراف شخصياً على الإعداد لعقد الندوة.

بدأت الترتيبات على الفور عقب اللقاء، وكان من المقرر فى البداية أن يكون الأمر متعلق بندوة أكاديمية كبيرة، وتم الإحتفاظ بهذا الإسم ( ندوة)، لكن الأمور اتسعت لتسير فى عدة إتجاهات توضح طبيعة الأجواء فى المنطقة وقتها، منها:

1-توسيع نطاق الدعوة للمؤتمر لتشمل مابين 300-400 شخصية أكاديمية وسياسية وعامة من كل الدول العربية، وعدد كبير من دول العالم بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، إضافة إلى عدد هائل من الصحفيين، حتى أنه تم حجز فندقين بالكامل هما إنتركونتيننتال وهيلتون، ثم أدوار من فندق ثالث بعد ذلك لاستيعاب الأعداد التى تمت دعوتها، أو التى بدأت تطلب أن تتم دعوتها، وتم إعداد جدول اعمال مكثف يتناول كل القضايا التى تهم المنطقة، مع أكثر من 6 متحدثين فى كل جلسة أحيانا، ليتحول المؤتمر إلى حدث كبير.

2-عندما اتسع نطاق المؤتمر، ولكى لايتم تجاهل أى دولة عربية، تم توجيه الدعوات إلى الدول، لتحدد بنفسها المشاركين منها، تلافيا للحساسيات، لكن ذلك قد فهم من جانب بعض الدول، على أنها يجب أن تشكل مايشبه "وفدا رسميا"، حتى أن اللجنة المنظمة تلقت بعض الإستفسارات من جانب بعض الدول العربية، التى لم تصدق أن المؤتمر أكاديمى بالأساس أو بالفعل، حول ماتريده الإمارات من هذا المؤتمر، لكن العجلة كانت قد دارت، ووضح أن هناك تجاذبات مبكرة بين الدول حول مستقبل "الوطن العربى".

 لم تنته قصة المؤتمر، ففى نهاية أعماله، تم تبنى مجموعة من التوصيات، كان منها إنشاء "مركز زايد للتنسيق والمتابعة"، والذى كان من المفترض أن يمثل آلية لدراسة ومتابعة القضايا والتوصيات التى خرجت عن المؤتمر، وإنشئ هذا المركز ، بعيدا عن المركز العربى للدراسات الإستراتيجية، فيما أتذكر، عام 1999، ومارس نشاطات واسعة النطاق فى السنوات التالية، لمحاولة دراسة كل مايتعلق بمستقبل المنطقة العربية، حتى توقف.

 ويكمل الرئيس ناصر ويقول :" سبق عقد ندوة أبو ظبي لقاء تمهيدي في مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة، للإعداد لها بإشراف الأمين العام الدكتور عصمت عبد المجيد، وممثلين عن دولة الإمارات العربية المتحدة والمركز العربي للدراسات الاستراتيجية بفروعه في القاهرة واليمن ورأس الخيمة، وهذه دلالة على الأهمية التي كانت تعلَّق على الندوة وعلى الظرف الذي اختير لعقدها، حيث كان ذلك في نهاية القرن العشرين، وعلى أعتاب الألفية الجديدة، وأيضاً على مكان انعقادها في عاصمة الإمارات العربية المتحدة وعلى الشخصية الراعية لها، صاحب السموّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وتابع حديثه قائلا :" شارك في أعمال الندوة التي عُقدت تحت عنوان: (إعداد الوطن العربي للقرن الحادي والعشرين ودور جامعة الدول العربية) شخصيات بارزة من مختلف البلدان العربية، منهم: الدكتور عصمت عبد المجيد، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية الجزائري السابق ورئيسها الحالي، الدكتور علي الدين هلال، مستشار المركز وزير الشباب السابق في مصر، د. حامد خليل، مستشار المركز في دمشق، المديرون التنفيذيون للمركز في دمشق والقاهرة وصنعاء وعدن ورأس الخيمة، عدد من المفكرين العرب ورؤساء مراكز الدراسات في الوطن العربي ورؤساء عدد من الجامعات وشخصيات عربية وأجنبية، وصحافيون.

  في ختام أعمال الندوة، التقى صاحب السموّ الشيخ زايد بن سلطان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، راعي الندوة، ممثلين عن المشاركين فيها، ورحّب بهم وبارك جهودهم وشدّد على متابعة تنفيذ مخرجاتها وتوصياتها.

ويواصل الرئيس ناصر وقال :" ومع الاسف يومها لم أكن مشاركا في هذا اللقاء لانني قد تعرضت لنوبة قلبية قبل انعقاد المؤتمر انتقلت على اثرها الى لندن للعلاج واجريت عملية ناجحة ولم تعيقني عن متابعة الندوة الكبرى في ابوظبي. كان صاحب السمو الشيخ زايد يتابع أول بأول أخبار علاجي في لندن وطلب مني العودة الى أبوظبي للراحة والاستجمام بعد العملية. وبعد العودة أقام لي حفلا كبيرا في قصر الوثبة حضره كبار المسؤولين وبعض من رجال المال والاعمال ومنهم السيد سلطان العويس الذي تعرفت اليه والتقيته لاحقا في طريقنا من دبي الى دمشق.( للحديث بقية

 عدن الغد