الرئيس علي ناصر : الشيخ زايد نموذجا للحاكم العادل في زمن كثر فيه المستبدين

كريتر سكاي/خاص:


إعداد /د. الخضر عبدالله/
حديث الحزن  مع الرئيس ناصر

اخر الحديث  للرئيس علي ناصر محمد كان حول اللقاء الذي دار بينه وبين الشيخ سلطان العويس .. وفي هذه الحلقة يروي لنا الرئيس ناصر حول سماعه خبر وفاة  حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، وكيف جرت عملية التشييع لجنازته .. و تحدث الرئيس ناصر  إلينا وعيناه تغروق بالدمع  على فراق  ورحيل  حكيم العرب زايد  وقال مسترسلا :"  بين البداية في لاهور لقاءنا الأول عام 1971م، والنهاية لحظة وداعه الأسطوري عند ضريحه في مسجده في ابوظبي سنة 2004 م ثلاث وثلاثون عاما من علاقات الصداقة والوفاء المتبادل في زمن قل فيه الأصدقاء والأوفياء ..
   واكثر من ثلاثين عاما، عصفت فيها الأحداث والتطورات والحروب في  الوطن العربي، شرقا وغربا شمالا وجنوبا، لكن الشيخ زايد بحكمته، وحنكته، وصبره الطويل استطاع ليس بناء دولة عصرية، وسط هذه العواصف من حوله وفي محيطه، بل أن ينأى بها ويجنبها المخاطر والحروب .
وبنى دولة اتحادية فيدرالية في الوقت الذي فشلت فيه كل الوحدات والاتحادات العربية من حوله . وسخر ثروة بلاده من النفط لتنمية بلاده الامارات العربية المتحدة، فجعل منها انموذجا لقيام دولة من الصحراء والبداوة قبل اكتشاف النفط، الى مصاف الدول المتقدمة والعصرية بعد اكتشافه .. فسخر تلك الثروة لصالح الانسان الاماراتي ومساعدة الدول والشعوب من حوله، وكان لليمن شمالا وجنوبا نصيب من ذلك في وقت بدد غيره ثروات شعوبهم على الحروب فكانت وبالا عليهم بدل ان تكون نعمة ."

الشيخ زايد .. انموذجا للحاكم العادل
ويواصل الرئيس ناصر  والحزن يعصر قلبه  ويتحدث مرة ويسكت مرة  ويقول  :"  الشيخ زايد  كان انموذجا للحاكم العادل في زمن كثر فيه الإستبداد والمستبدون .. لهذا أحبه الناس ويحبونه . وظل هو مجبولا بحبه للناس وقضاء حوائجهم بصرف النظر عن جنسياتهم ودياناتهم .. فصار أملا للناس في منطقة ابتليت بالحروب والصراعات .. وأعطى الأمل بأن الفقر والتخلف ليسا قدرا ومحتما الى الأبد اذا وجد التخطيط ووجدت الارادة والادارة، وقبل كل ذلك القيادة الحكيمة .. وقد كانها الشيخ زايد ( رحمه الله )
وداعا أيها الراحل الكبير

مضى الرئيس ناصر يتحدث  عن  وداع الشيخ زايد ،والعبارات ترتسم على محياه ..لم اكن مصدقا هذا الموقف، كيف لرئيس عاصر الاحداث وفقد اخوانه، ولم يتهز له جفن، وفي الحديث عن وداع زايد اتضحت محبة الرئيس ناصر الحقيقة لهذا الشيخ الوقور .. ويقول مستدركا :"  المكان :دمشق.. والزمان : الثاني من نوفمبر، التاسع عشر من رمضان بعد الافطار .            
الهواتف بدأت تدق بجنون... تنقل الخبر الذي نزل علي كالصاعقة مات زايد، رحل كبير الأمة وأخر عمالقة العرب.
غصت الفجيعة في الحلق، كنا نستعد منذ عدة أيام للمغادرة إلى أبو ظبي للقائه في العيد ككل عام، ولم أكن أتخيل أني بدلاً من ذلك سأذهب لوداعه الأخير.

يتابع الرئيس ناصر حديثه :" كانت ليلة حزينة لم يذق فيها الملايين طعم النوم ..كان هاجسي الملح البحث عن أي خط طيران يوصلني أبو ظبي قبل عصر الغد.. أريد أن أرى أبو خليفة للمرة الأخيرة، هل يمكن أن يرحل دون أن أودعه ؟  بعد رحلة طويلة وصلنا أبو ظبي عبر دبي، وشاركنا في مراسم الدفن مع الملوك والرؤساء والامراء وغيرهم. وصلينا مع المشيعين المفجوعين على روح الفقيد الخالد.
وانتقلنا بعد ذلك الى مكان القبر بالقرب من مسجد زايد الكبير خارج أبو ظبي وكان أول من تلقفاه وأدخلاه الى قبره ولحده هما: السيدان مصطفى العيدروس منصب عدن وعلي الجفري، تكريما لفقيد الامة، وسط حزن عميق من المشيعين الذين يشاهدونه لآخر مرة. وقد دفن قبل أن يستكمل البناء الذي شيد لاحقا حول قبره كما لم يستكمل حينها مسجد زايد الكبير الذي بدأ العمل به منذ فترة طويلة الذي استكمل وافتتح في وقت لاحق وقد كنت أحرص في كل زياراتي على زيارة ضريحه وقراءة الفاتحة على روحه ولا تكتمل زيارتي للإمارات بدون زيارة لضريح حكيم العرب رحمه الله."
الرئيس ناصر :  الشيخ زايد دخل قلوب الناس صغيرها وكبيرها

يردف الرئيس ناصر في الحديث  موضحا  مكانة الشيخ زايد  وانه رديفا للعرب ودخل قلوب الناس صغيرها وكبيرها  وقال :" مازلت لا أصدق أنه رحل.
من يظلل العرب بعد أن طوى جناحيه الكبيرتين ورحل ؟                                
الشعوب لا تحتاج من يجلس على كرسي الحكم بل إلى زعيم حقيقي تحبه ويحبها ويسهر للحفاظ على مصالحها ويجعل الوطن كله بيتاً واحداً عامراً بالمحبة والتسامح؟، وهل من استفتاء على المحبة الحقيقية أصدق من دموع الملايين التي تبكي اليوم الأب الحنون،  والآلاف الذين هرعوا من كل مكان من العالم لوداع القائد الذي  دخل جميع القلوب صغيرها وكبيرها ؟
ها هي بلدك وقد أحلتها جنة خضراء، أتذكر - قبل ثلاثين عاماً - كيف أشرت لي بعصاك إلى خريطة الإمارات وقلت أنك ستكسوها كلها بالخضرة ؟ صدقت أبا خليفة وأحلتها جنة يمتلك فيها كل مواطن ويسعى الكل إليها.
زايد سيبقى دائما معنا

وتابع  الرئيس علي ناصر محمد حديثه قائلا :" رحل زايد... لكنه سيبقى دائماً معنا، وسيذكره التاريخ بعدنا، لأنه ترك تاريخاً حافلاً مشرفاً وتراثاً في الإدارة والحكم ودروساً في العدل والحكمة وقدوة في الوطنية والقومية والإنسانية.
ترك دولة مزدهرة بمؤسسات راسخة، واتحاداً قوياً متماسكاً بحكم شوروي، ووحدة وطنية راسخة تجسدت في التفاف الشعب والحكم حول مسيرته ومرضه ووفاته، وأجماعهم على خلفه الصالح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد كرئيس للدولة والذي سيواصل بإذن الله مسيرة القائد العظيم. كلمة أخيرة...    مافجعت يوماً بعزيز كما فجعت بموتك يا أبا خليفة...أسكنك الله أعلى مراتب الجنة...سنفتقدك كثيراً...
أيها الراحل الكبير.
شكرا لكم  د كتور الخضر عبدالله
واختتم  الرئيس ناصر  حديثه  معنا في نهاية هذه المذكرات  وقال :"على مدى السنوات الماضية قامت صحيفة عدن الغد برئاسة الصحافي الكبير فتحي بن لزرق الذي تحولت صحيفته الى منبر لكل القرّاء والآراء المختلفة في داخل اليمن وخارجها وأصبحت تحظى باحترام واهتمام المتابعين لما تنشره من مواقف حيادية ومتوازنة بعيداً عن الانحياز لأي طرف في اليمن شمالاً وجنوباً وكانت عدن الغد سبّاقة في نشر مذكراتي:
ذاكرة وطن عدن من الاحتلال الى الاستقلال..
القطار رحلة الى الغرب..
الطريق الى عدن..
عدن التاريخ والحضارة..
 ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية الشعبية 1967 - 1990م..  واخرها  رحلتي مع زايد  والتي تنشر الحلقة الأخيرة منها اليوم..
ونحن  في هذا المقام نشكرك  دكتور الخضر  عبد الله على دوركم الكبير في الاطلاع على المذكرات وإعداد الحلقات وإسهاماتكم التي أغنت المذكرات ومنحت الفرصة للقارئ في اليمن وخارجها الاطلاع عليها, .
ونحن نقدر لكم جهودكم الكبيرة والعلمية والمواظبته على استمرار نشر الحلقات , والشكر موصول  كذلك إلى  الأستاذ محمد  حسين الدباء مدير التحرير الذي اسهم هو الأخر في الإشراف المباشر على الصفحة وأخراجها في ثوبا قشيب وإلى جميع العاملين في صحيفة عدن الغد  " ( انتهى )