الأضحى في عدن : ازدحام كثير وإنفاق قليل وفرحٌ يقتصر على الأطفال

عبدالرحمن انيس/النهار العربي

في متجر لبيع الملابس الجاهزة في سوق الطويل في مدينة عدن القديمة "كريتر"، يُخرج محمد نبيل (30 عاماً) عدداً من قطع الملابس الخاصة بالأولاد ويعرضها على الطاولة أمام عدد من الزبائن، فيفاصلونه في الأسعار ثم ينسحبون معتذرين، "فأغلبية زوار متجرنا يأتون للفرجة، ولا يشترون إلّا نادراً"، كما يقول.
يعمل نبيل بائعاً موسمياً في هذا المتجر، خصوصاً في الأيام التسعة التي تسبق عيد الأضحى. فهذا موسم شراء الملابس استعداداً للعيد. ويزدحم شارع الطويل في كريتر عدن بالمارة والمتسوقين إلى حدّ يُغلق فيه الشارع كله أمام حركة السيارات. يقول نبيل لـ"النهار العربي": "أغلبية هؤلاء يدخلون متاجر الملابس، يبايعون في أسعارها، ولا يشترون شيئاً، تماماً كما يحصل في متجرنا".
هذا الأمر ليس مفاجئاً أبداً، فالمواطنون وموظفو القطاعين العام والخاص في عدن يعانون تداعيات تراجع قدرتهم الشرائية، بسبب الانهيار المتواصل في قيمة العملة الوطنية أمام الدولار، والتي وصلت إلى 1800 ريال يمني لكل دولار، فيما لم يتجاوز سعر صرف الدولار في عام 2015، خلال حرب الانقلاب، 214 ريالاً.

*ازدحام وهمي*
في الأيام العادية، تقفل المتاجر في عدن أبوابها في العاشرة مساءً، لكنها في الأيام التي تسبق عيد الأضحى المبارك، تفتح على مدار الساعة، ليبلغ الازدحام ذروته في ليلة العيد، أي مساء يوم عرفة، حيث تتوقف حركة سير المركبات في الأسواق، ويخرج الآلاف في الطرقات مشياً على الأقدام، علّهم يفلحون في إتمام مشترياتهم والعودة إلى منازلهم سريعاً.
حسين الحاج (38 عاماً) مزيّن يملك صالوناً صغيراً للحلاقة في مديرية المنصورة في عدن، لا يغلقه في اليوم الأخير قبل العيد بسبب ازدحام الزبائن فيه، "على الرغم من أنني أرفع أجرة الحلاقة ثلاثة أضعاف"، كما يقول.
ويضيف الحاج لـ"النهار العربي": "أعتقد أن الناس يتمسكون اليوم بقشور العيد ومظاهره فحسب، بعدما فقدوا قيمة العيد الحقيقية. فالعشرات يصطفون في طوابير أمام محلي لحلاقة العيد، على الرغم من أن معظمهم ينامون في أول أيام العيد، ولا يخرجون إلى أي مكان".
بحسبه، تخلو شوارع عدن في يوم العيد، "فلا أعلم لماذا يتزاحمون على الحلاقة وفي متاجر الملابس ليلة العيد، ما داموا لن يخرجوا إلى الشوارع للاحتفال، ولن يصلوا الأرحام بزيارات الأهل والأصحاب جرياً على عاداتنا القديمة"، مضيفاً: "واضح أن هذا الازدحام صار طقساً من طقوس العيد لا أكثر، ويريدون الحفاظ عليه في المظهر على الأقل".

*عيد للأطفال*
لا يوافق إياد مهدي، الأستاذ في مدرسة للتعليم الأساسي، على مقولة "تخلو الشوارع"، فالعيد بالنسبة إليه صار من مظاهر الفرح عند الأطفال، ولو اختفت الكثير من تقاليد العيد عند الكبار بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
يقول مهدي لـ"النهار العربي" إن هؤلاء الأطفال يجوبون حواري المدينة صبيحة يوم العيد، ضاحكين ولاعبين، "يركبون جاري الجمل (عربة يقودها جمل) ويُشعلون المفرقعات والألعاب النارية، وكأن العيد هذا صار عنواناً لفرح الطفولة، أكثر ما بقي تراثاً في مجتمعنا، لأن الكبار يقضون يوم العيد نوماً بعدما سهروا ليلة العيد، واستيقظوا باكراً لأداء صلاة العيد".
ويتفق معه محمد القطوي (40 عاماً) إذ يرى أن طقوس ولائم العيد اختفت تماماً بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي خلّفتها الحرب، مشيراً إلى أن كثيراً من الأسر تكتفي اليوم بالزيارات العادية في اليوم الثاني أو الثالث للعيد، بعيداً من الاجتماع على وجبة الغداء وولائم اللحوم التي كانت طقساً من طقوس العيد إلى ما قبل سنوات. 
يقول لـ"النهار العربي" متأسفاً: "كان صوت الخراف يُسمع من كل منزل قبل يوم العيد. اليوم، قد تمرّ بحارات كاملة، فلا تسمع مواء المواشي".
كذلك، تشهد مدينة عدن في أيام العيد ازدحاماً في شواطئها الساحلية، فيقيم عدد من منتجعاتها حفلات فنية برسوم رمزية، تغني فيها مواهب شابة صاعدة. 
كما تزدحم ملاهي الألعاب، على محدوديتها، غير أن العاملين فيها يفيدون بأن هذا الازدحام شبيه بازدحام متاجر الملابس، حيث يحضر كثيرون للنزهة والفرجة، وليس للإنفاق .. فالعين بصيرة، واليد قصيرة.