هذه الحرب
كتب/محمد عبد السلام منصورالمدينة منهكة الروحدامية الأهل تنعي وتشكو إلى الله أبناءهاأحرقوا شجر ا...
في إحدى القرى البسيطة، حيث يفترض أن يسود الأمان والتآلف، عاش طفل اسمه بكيل. كان بكيل مختلفًا عن باقي الأطفال؛ ذكيًا، حساسًا، وذا عقل راجح يفوق سنه. لكنه لم يحظَ بما يستحق من الدعم أو التقدير، فقد نشأ في بيئة قروية تعج بالنعرات العنصرية والتنمر، حيث كان النسب والمكانة الاجتماعية معيارًا لتقييم البشر.
والدا بكيل، وهما من أصول متواضعة، كانا هدفًا للسخرية الدائمة في القرية، ولم يكن الطفل الصغير بمنأى عن هذا الواقع المرير. تلقى الكلمات الجارحة منذ صغره، وواجه نظرات التقليل والاحتقار التي أحاطت به في كل مكان. لم يكن أحد يدرك أن هذه المواقف ستزرع في نفسه جروحًا لا تندمل.
كبر بكيل وهو يحمل معه إرثًا ثقيلًا من التجارب المؤلمة. في البداية، حاول أن يقاوم ويتجاوز تلك المعاناة، لكنه لم يكن سوى طفل، هشّ النفس، كثير التفكير. بمرور الوقت، بدأ يشعر أن العالم بأسره يقف ضده. فقد ثقته بالآخرين، وبات يرى الحياة من منظور مظلم مليء بالخوف والحقد.
كان بكيل يشعر بالخجل من نسبه ومن والديه، لا لسبب سوى أن المجتمع جعله يعتقد أن هذه الأمور تحدد قيمته. كره نفسه وكل من حوله، ووجد صعوبة في التكيف مع مجتمعه، فانعزل، وفشل في دراسته، ولم يتمكن من تكوين صداقات. كانت الوحدة رفيقه الدائم، ومعها جاءت الأمراض النفسية التي أخلّت بتوازنه وأضعفت إرادته.
في النهاية، وصل بكيل إلى طريق مسدود. لم يجد في حياته سوى الألم والمعاناة، فقرر أن يضع حدًا لكل ذلك. في يومٍ مشؤوم، أنهى حياته، ليترك خلفه فراغًا كبيرًا وحزنًا لا يوصف.
لم تكن مأساته نهاية لآلامه فقط، بل كانت بداية لآلام عائلته. والداه، اللذان أحباه رغم كل شيء، عانيا من قهر شديد. والدته أصبحت قعيدة الفراش من الحزن، ووالده فقد عقله. تلك العائلة التي كانت تعيش على هامش المجتمع، أصبحت اليوم رمزًا للظلم والعنصرية التي تفترس النفوس دون رحمة.
العبرة من القصة
إن ما عاشه بكيل هو انعكاس لواقع مؤلم في المجتمعات التي تتغذى على العنصرية والتنمر. هذه الظواهر لا تهدم الأفراد فقط، بل تهدم المجتمعات بأكملها. التغيير يبدأ من الفرد، ومن الإيمان بأن مسؤوليتنا تجاه الآخرين تتطلب محاربة كل أشكال التمييز، لنخلق مجتمعًا أكثر إنسانية وعدلاً. بكيل لم يكن ضحية نفسه، بل ضحية مجتمع كان بإمكانه أن يحتضنه، لكنه اختار أن ينفره.