الرصيف والمجنون

كان على الرصيفِ مجنونٍ في الأربعين من عمره في معركةٍ يُحادثُ شعرهُ وأصابعهْ ، وكأن على أكُفيهْ جيش هتلر وبين شعرهُ حربْ البسوس ..
يُتمتم لا أدري ما يقول ، لكني أدركتُ أنه مُجتهداً في حلِ الخلافْ ..
أنا في طريقي الي السوق
إنتظرتُ حتى يهدأ حال الرجل
إقتربتُ وأنا أرى تلك الحجرةُ اللعينة التي بجواره تشربُ من دميْ..!!
لكن شغفي في الحديث مع المجانين أمثالي دفعني الي المُجازفة وفهم ما يدور ؛
المجانين وحدِهمُ الطيبون
أنفاسُهم وحدها الشافعةُ لنا بالبقاءْ ،،
وحدهم لا تغيرهم العوامل والظروف ؛
على الرصيف خردة من بقايا المركبات(السيارات)"
صديقي مستلقياً على ظهره تحت واحدة من تلك الخردوات
لا يتوقف عن الكلام 
مرة يبدُ غاضب من الهواء 
او ربما من أشعة الشمس
ومرة أخرى يبتسم بشدة للسماء 
او ربما للظل الذي يغطي جزء بسيط من جسده
إقتربت نحوه حتى جلست بجواره
كان مستلقياً فجلس ؛
فقلتُ : كيف حالك ياصديقي ؟
وأعطيته بعض أعواد القات
وأخرجت من جيبي فلوسا 
لم يرفض شيئ مني 
فرحت أنا لأنه لم يكن عنيفا معي !
وضحك هو فجف العرق من جبيني ،
باشرت بالحديث معه بسؤال :
 لماذا تضحك ؟!
قال : أضحك لأنك قُلت صديقي !!
نعم أنت صديقي وما المانع أن نكون أصدقاء ؟
ضحك مجددا وقال : أنا مجنون ، الجميع يقول لي هكذا !!
حينها أدركت أن الرجل هرب من هذا الواقع الرمادي
وبعيدا عن إنتهازية الحياة 
أحسست بصدمة الأيام التي أحالت حياته الي الجنون ""
قلتُ له : لا تصدق الناس أنك مجنون ، المجنون لا يعترف بجنونه 
قال : أنت انسان وانت مثلهم تكذب أنني صديقك !
ضحكت أنا وتبسم هو والصمت يملئني
ونظرات بعضنا كلا نحو الآخر 
أعاد لي نفس السؤال قائلاً لماذا تضحك ؟
قلتُ : لإنك هزمتني يا صديقي !""
قال :  هزمتنا الحياة والثورة جميعاً ، لكني تحررت ..
قلت : كيف لم أفهم ؟!
قال : تحررت انا من لعنة العقل ، لإنكم جميعاً "عبيد"
ثم نهض من مكانه وقال إنتبه على سيارتي معك
يقصد تلك الخردة المتبقية التي يستلقي تحتها
قلتُ : إنتظر لم نكمل الحديث بعد !
قال : إسأل العبيد هل أكملوا حديثهم
وذهب عني بعيداً غاضباً 
ندمت حينها 
لأني لم أستطع السيطرة على الحديث
وفشلتُ.

# فهمان الطيار

مقالات الكاتب

(ريمة) جارة السماء

يقال بأن "ريمة" جارة السماء ، وبستان الملائكة ، وفوق جبالها تكون السماء أقرب اليك من السهل والوادي ،...

(تهامة) معشوقتي السمراء

المليحة السمراء "تهامة" ، البلاد التي أعشق وأحب ، لستُ من تهامة ولم أزرها قبل ، لكن حواسي الخمس وكل...