خالد بحاح سفير بحجم وطن
عبر بعض السجناء اليمنيين الذين يقبعون في السجون المصرية عن فرحتهم واعتزازهم بزيارة السفير خالد بحاح...
أخي العزيز ، إن الله خلقنا على هذه الأرض دون غيرها واختارها لنا دون أن نختارها لأنفسنا ودعانا للعيش فيها كأخوة فيما بيننا ولم يدعنا إلى القضاء على بعضنا البعض أو لنتجاهل بعضنا البعض ، وطلب منا أن نتفاعل فيما بيننا ، وكان بإمكانه أن يخلقك في الشمال ويخلقني في الجنوب ، فهل كان ذلك سيغير من وضعنا ؟ ، لا أعتقد ذلك ، فالذي يغير في وضعنا هم أولئك الذين يدعوننا إلى التحصن بالمناطقية ، لكي لا نكون معا ، يريدون تحويل وحدتنا إلى تفكيك ، ولهذا فأنا أدعوك لأن نعمل معا في مواجهة الهويات المناطقية والتشبث بالهوية الوطنية وأن ندافع عن كرامة المواطن وأن نواجه الحياة بطريقة جماعية ، لأنه لا يمكن لأي منا مواجهة الحياة بطريقة منعزلة ، فنحن بحاجة إلى أن نساعد بعضنا البعض ، لكي نمضي إلى الأمام ونبني أحلامنا معا وألا نتوقف عند السراب الذي نرى به ماليس موجودا .
إننا أبناء هذا الوطن الذي يأوينا جميعا ، علينا أن نستخلص الدروس من الحروب والإخفاقات التي واجهتنا أثناء تمزقنا ، وهذا يدفعنا إلى الاعتراف بأن الوحدة أسقطت هذه الحروب وأخمدت الثأرات ليس فقط بين الشمال والجنوب ، بل أيضا بين أبناء الجنوب أنفسهم ، وعلينا أن نشكر الآباء المؤسسين لثورة ٢٦ سبتمبر ، ١٤ اكتوبر الذين أرادوا مستقبلا يقوم على القدرة على العمل فيما بيننا والتغلب على الانقسامات التي خلقها الاستعمار في الجنوب والإمامة في الشمال ، علينا أن نعزز التواصل بين جميع أبناء الشعب اليمني وأن نتجاوز أولئك الذين يقودوننا نحو الصراع وتجديد الهويات المحلية المشحونة بالانغلاق والتعصب والعدوانية التي قضت عليها ثورة ١٤ اكتوبر .
هناك من يتبنى الانغلاق مستخدما الصراع وسيلة إلى ذلك من أجل فرض نموذج مناطقي واحد بهدف التفرقة بين اليمنيين وجعلهم شعوبا متعددة بدلا من شعب واحد ، ونتيجة لهذه الثقافة التجزيئية ، فإنهم يضحون بنا وفق خيارات تفضل منطقة على أخرى ، يزعمون أنهم يقاومون الظلم وهم يكرسونه بأبشع صوره ويقدمون منطقة على أخرى ، واحدة تستحق الحياة بلا حدود وأخرى تسجن خلف الحدود .
إن ما يتم تدميره اليوم هو المشروع الوطني ، ولهذا فإن الوطن يمضي نحو انقسام لا مبرر له ، يخدم فقط مشروع الحوثي العنصري الذي يرغمنا على العيش في ظروف مشابهة للعبودية ، وكما ترى وكأن التاريخ يعيد نفسه ، فالاستعمار عاد إلى الجنوب ، والإمامة عادت إلى الشمال وجميعهم لا يترددون في استغلال المواطن وتجاهله ، بل وحتى قتله ويعامل كأداة لا كغاية .
إن جائحة الحوثي في الشمال والانتقالي في الجنوب ، يجب أن تولد لدينا الإدراك بأننا نركب زورقا واحدا ، حيث ضرر فرد واحد يصيب الجميع ، وعلينا أن نتذكر أنه ما من أحد يخلص وحده ، وأنه لا يمكننا أن نخلص إلا مجتمعين ، ولهذا أقول لك إن العاصفة أسقطت القناع عن ضعفنا وعن كذبة العراف الذي صدقه أشقاؤنا ، وفضحت الضمانات الزائفة التي حددها مجلس الأمن التي كنا قد بنينا عليها أمنياتنا وأولوياتنا ، فاكتشفنا معها أن تلك الأيديولوجية النمطية من قومية وأممية لم تكن سوى خدعة ، لأنها باتت اليوم عاكفة في محراب عاصفة الحزم التي ولدت أحزمة في مواجهة الشرعية ، وهذا بالطبع يجعلنا نعيد التفكير في مشروعنا الوطني وعلاقتنا ببعضنا البعض .
أختم رسالتي لك بالقول ، إننا إذا فشلنا في استعادة مشروعنا الوطني ، فإن الهويات المناطقية والعنصرية التي تخدعنا ستسقط بشكل مدمر وستتركنا للفراغ وستؤجج العنف والتدمير المتبادل ، لأن من يشيد الجدران سينتهي به المطاف بأن يكون عبدا داخل الجدران التي بناها لأنه يفتقد إلى الآخرين .
د. عادل الشجاع