عِنْدَمَا تَنبأَ " باكثيرُ" بقيامِ إسرائيلَ وَسُقُوطِها (شايلوك الجديد)
الحِسّ الفنيُّ عندَ بعض الأساطين الأدبيّة مساوٍ للتاريخ وحقائقه في...
أثناء الأزمات الحادة، والمنعطفات التاريخية الخطيرة، أو بعد الانكسارات ... تظهر قوى وتيارات ايديولوجية تسعى للبحث عن الذات وإعادة تشكيلها !!! بهدف مراجعة ما حدث ... وتصحيح المسار وإعادة التأهيل لمواجهة المصير بكفاية مناسبة وكفاءة عالية؛ لذا يبدا المفكرون البحث في الهوية والبحث عن الهوية! مع الفارق الكبير بينهما والخطير!!!
إذ أن البحث في الهوية هو بحث معرفي علمي، أما البحث عن الهوية فبحث أيديولوجي على سبيل المثال عندما نقدم خطابا بحثيا ( عن الهوية اليمنية أو العربية القومية أو الإسلامية ) فهذا يعني أن هذه الهويات منجزة إنما ضائعة، ويجب البحث عنها واستردادها، وهذا بالضبط ما فعلته التيارات الفكرية العربية والإسلامية بفصائلها المتعددة أثناء جوابها عن سؤال : من نحن وما هويتنا؟؟!
يجيب كل تيار فكري بما يتناسب مع اختياراته وفرضياته ومع بنيته الثقافية والايدلوجية، ومصالحه... وربما ايضا مع حالته النفسية المتقلبة فالهوية هي باختصار ( شعور نفسي بالانتماء )
من نحن؟؟ نحن تبابعة حميريون... يمانيون بل ( جنوبيون )، بل عرب مسلمون ... سنة .... شيعة ..... ؟؟!!!
الهوية يا سادة هي من أثر الثقافة في التاريخ ( متبدله ) فلا هي معطى سلفا ولا هي جوهر ثابت؛ أي أنها ليست تحصيلا ثابتا لجملة من المكونات ... وانما هي متشكلة دوما في التاريخ!!! ومتبلورة في كل مرحلة على نحو مخصوص بحسب ما يطرأ من ملابسات وقيم وعلاقات، فالهوية مرتبطة أولا وأخيرا بحياة الناس.
لذا يجب تقديم خطاب البحث في الهوية وهو بحث علمي له أبعاده الفلسفية، بحث عن العام والمشترك والكلي بحث عن الوحدة في المتنوع ... بحث عن كل ما يؤدي الى التقارب والالتقاء عن نقاط مشتركة انه ليس بحثا عن شيء كنا نمتلكه ثم أضعناه كما يفكر بعضهم، بل عن شيء نصنعه باستمرار وهو قيد الانجاز دائما في ضوء منطق معين، ومبادئ وكليات معينة.
أما البحث عن الهوية فلا يمكن ان يرقى لمستوى البحث العلمي، لأنه ليس بحثا بريئا يهدف الى تحديد مجمل السمات والملامح والمقومات التي تحدد الهوية، إنما هو اختيار ... موقف .. ايديولوجيا... برنامج عمل يحاول ان يبحث عن هوية ما متصورة في ذهن ما... هو بحث عن فردوس مفقود عن عصر ذهبي جاهدا بعد ذلك في المطابقة بين ذاته وبين هذه الهوية المختارة( النموذج) والأمر لا يعدو سوى تأكيد للذات أكثر مما هو تحديد للهوية.
علما بأن تحديد الهوية أمر في غاية الأهمية لنجاح المشروع النهضوي العربي الذي ما زال يعاني من الاخفاقات المتلاحقة؛ وذلك أن البحث في وعن الهوية ليس بحثا ميتافيزيقيا مجردا غايته ارضاء نزعة (شوفينية) عند الأمة، يقصد الحصول على صك بتمايزها ولا نقول تميزها عن سواها من الشعوب والأمم . إنما هو بحث يجب ان يهدف أصلا الى المساهمة في عملية النهوض الشاملة التي تتطلع لها الأمة، إنها تنمية حضارية هدفها خوض نضال حضاري ضد تحد حضاري يواجهنا.