عِنْدَمَا تَنبأَ " باكثيرُ" بقيامِ إسرائيلَ وَسُقُوطِها (شايلوك الجديد)
الحِسّ الفنيُّ عندَ بعض الأساطين الأدبيّة مساوٍ للتاريخ وحقائقه في...
الجنوبُ قادمٌ" جُملةٌ استعاريّة تثيرُ الحماسَ والأملَ عِنْدَ بعضِهم مع الحُلمِ، وآخرين الضجرَ والتبرّمَ أو السخرية،... هناك تسبب الغثيان!
الجنوبُ قادمٌ" جملةٌ خبريّةٌ ابتدائيّة تختزلُ قصيدةً.... حكايَةً، تاريخًا، كفاحًا، عبثاً، انتهازيةً، تضحيةً، فُرَصًا، تسلُّطًا، عدالةً .. قهراً... الدم والورد.. غايةً و وسيلةً ...(الإيمان والكفر) (الحب، الكراهية) (ترمومتر الولاء والبراء)!
كلُّ المعاني المتعدِّدةِ والمتناقضةِ تجمعُها أخطرُ استعارةٍ في الخطاب السياسي اليمني " الجنوبُ قادمٌ" وهنا يبدأ الدرس البلاغي الجديد.
الاستعارة(الخطاب)= السياق + المتكلِّم والمتلقِّي = الفهم/ المعنى
إذنْ المعنى لا يصنعُه المتكلَّمُ فحسب؛ بلِ المتلقّي والسياق ... من هنا تنشأ أزمة الإنسانية جمعاء (أزمة فهم)، وفي بلادِنا الأزمةُ أضعافٌ؛ لأنّ الفهمُ هو ضرورة وحاجة فـ(الفهمُ) أوكسجين الوجود.
كيف نفهمُ فهمَ الآخرين ؟ كيفَ يفكِّرون؟
أحدُ الوزراءِ القُضاةِ بحكومةِ اليمن السابقة رأى قنِّينة الماء وعليها اسم الجنوبِ!... لم يتحمّلِ الأمر؛ فأرْغَى وأرْعَـد ثم ألغى الاجتماع.
تحليلُ الخطابِ مهما كانت المرجعيّة: "هو فرعٌ مِنْ تلقيّهِ" فيما التحليلُ في العُمق مَبنيٌّ على فعل التأويل، وكلُّ فهمٍ مشروطٌ بسياقاته ومرجعياته، فـ"القاضي" غَمَّتْه اللفظة: "الجنوب" وأسعدتِ "الرفيق القديم".
خارج السياق اليمني لا نلقى لها ذاك المعنى الدّلالي المتعدِّد
فهماً وتأويلاً، فلفظة (الجنوب) مجردةً من سياقها تصير مصطلحاً جغرافياً نسبياً ومتحرِّكاً، فالشيءُ الواحدُ يكون جنوباً بالنِّسبة إلى شيءٍ مُعَيَّن، ويكون شمالاً إلى شيء آخر، فاليمن كلها جنوبٌ بالنِّسبة للجزيرة العربية؛ كانت تُسمّى بالعربية الجنوبية، ودرس الجغرافيا الأول الذي حفظناه كلُّنا دون وعي:" تقع اليمن في الرُّكن الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية" وإن حددّنا أكثر يمكن تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب بما كان يُعرف جنوب اليمن وشماله أو اليمن الشمالي واليمن الجنوبي كما في ملوك العرب للرَّيحاني، وهنا معنى السياق المقصود.
بعيداً عن السياق المقصود؛ كلّ الدولِ يتمُّ تقسيمها إدارياً حسب الجهات( جنوب، شمال، غرب، شرق ) وكذلك المُدن ومعالمها وأبوابها وطرقها ...
إنَّ سكان لحج هم شماليون بالنسبة لأهل عدنَ، ونحن في الشيخ عثمان سنكون (دحابشة )لأهل كريترَ والمُعَلَّا!
يتراوح التحليل البلاغي القديم في نسبة هذه الجملة " الجنوبُ قادمٌ" إلى المجاز متردِّدة بين أنواعه: المجاز العقلي والمجاز الحقيقي أو الكناية إنّما هذه التحليلات غير ذي فائدة؛ وهذا قد لا يرضى به ناقدٌ حدَاثيٌّ مثل الدكتور بدر العرابي
الجنوبُ قادمٌ" جملةٌ نفيسةٌ تصلح للدراسة و أنموذجاً تطبيقياً لتقاطع المناهج والقراءات تَلَـقِّـيَاً ودلالةً وسياقاً وثقافةً؛ بموضوعية وتجرُّد وهذا هو المنهج الصحيح .
أي اعتبار المُعطى في الخطاب "الجنوب قادم" بوصفه مُعطىً وواقعا ومحاولةً تحليلةً لا أكثر، وفق الدرس البلاغي الجديد ولا يقودنا التحليل إلى مُنزلق التقييم وإصدار الأحكام، وإن كان لنا حكمنا الذاتي لهذه الجملة الاستعارية " الجنوب قادمٌ " سنذكره في نهاية البحث؛ ما نستكمله في قادم الأيام بإذن الله.
مُجيبُ الرحمنِ الوصابيّ