أحسنوا الظن بالآخرين
إذا أتصلت بشخصٍ ولم يرد عليك، وكررت الإتصال ولم يُجب، ثم قابلته في اليوم التالي أو بعده، من الأفضل أ...
يعلم الكثير منا الظُّلم و العَدلِ لا يلتقيان ولا يتجاوران، وقد أوجب الإسلام على الحكّام أن يقيموا العَدلِ بين الرعية، وكانت هدفاً لجميع الرسالات السماوية؛ فالعَدلِ يقتضي المساواة، والمساواة تستلزم تحقيق العَدلِ بينهم، والساكت على الظُّلم في ديننا الإسلامي ذنب وخذلان، ومن تعوَّدَ على الظُّلم لا يستطيع أن يفهم العَدلِ، وقد حرّم الإسلام الظُّلم، سواء كان ظلماً للنفس أم ظلماً للآخرين، وخاصة ظُّلم القوي للضعيف؛ فكلما كان الشخص ضعيفاً زاد إثم ظلمه على من ظلمه !!
لقد قيل إن الظُّلم وباء كالسرطان الذي ينتشر في الجسد، وقد لا يدرك المرء وجوده إلا بعد أن يبلغ مبلغاً لا نجاة فيه من هلاك محقق؛ فالظُّلم مهلكة للأفراد كما للدول، لقوله تعالى: (وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰٓ أَهْلَكْنَٰهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدً).[ الكهف:59].
إن الظُّلم وأستمراره من موجبات غضب اللَّه تعالى وسخطه، فهو الذي حرم الظُّلم على نفسه وتوعد الظالمين بعذاب أليم، وهناك أحاديث نبويَّةٌ شريفةٌ كثيرة تتحدث عن الظُّلم وتبيِّن حرمته وتحذِّر منه، ومنها ما نصَّ على الظُّلم بلفظه، ومنها ما تحدَّثت عن صورٍ وأمثلةٍ له، ومنها الذي حرَّم اللَّه تعالى الظُّلم على نفسه ونهى العباد عن أن يظلموا بعضهم بعضاً؛ ذلك في دلالة على عِظَم حرمته، وشدّة قبح أرتكابه، وتهدف هذه الأحاديث إلى إرساء قواعد العَدلِ في النفوس، وتحريم الظُّلم والعدوان، ومنها ماجاء في حديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرويه عن اللَّه عزَّ وجلَّ أنه قال: (يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تظَّالموا).[رواه مسلم].
لقد لخص ابن خلدون في مقدمته الشهير فصلاً بعنوان ” الظلم مؤذن بخراب العمران"، محذراً من مغبة هذا الظُّلم، فيصف الظالم وأستمرار ظلمه علامة شؤم وخراب، فإذا تُرك يواصل ظلمه، ويراكم خرابه وتخريبه، يأتي على جملة العمران، ويأتي على المعاش بالبطلان، والظُّلم القائم الآن في وطننا أصبح عادة مستمرة، وهي علامة شؤم وخراب على الجميع، وإن ما يحدث هذه الأيام في وطننا من ظُّلم فادح مستمر يرتكبه بعض مسؤولينا الذي تعدوا كثيراً على حقوق الآخرين في نكرانهم وحرمانهم من أحقيتهم وأستحقاتهم في الدرجة والمنصب والتأهيل ومنحها لآخرين أقل منهم كفائة، معتقدين إن اللَّهُ غافل عما يفعلون، وليعلم الظُّلم إن الحكم والسلطة القائمة على الظُّلم لا تدوم، وعلى الباغي تدور الدوائر، ولا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدراً .. فالظلمُ مرتعُه يفضي إِلى الندم .. تنامُ عينك والمظلومُ منتبه .. يدعو عليكَ وعينُ اللَّهُ لم تنمِ !!
إن الظُّلم و العَدلِ لا يلتقيان، والعَدلِ المجتمعي هو واجبٌ وحتمي في مختلف مجالات الحياة نسعى إليوم تحقيقه في وطننا بعيداً عن الظُّلم والمناطقية والمحاباة والعلاقات الخاصة، الذي تؤرق حياتنا وتدمرها، وخاصة بأنّ العَدلِ هو أساس الملك والحكم، فلا تسود بلادٌ ولا تتقدّم إن ضاعت حقوق العباد، وإن ساد الظالمون وسحق المظلومين !!
نصيحة ... ويل للظَّالم من يوم المظالم ... إِياكَم من عسفِ الأنامِ وظلمِهمْ، غداً تموتُ ويقضي اللّه بينكما، فلا تعجلْ على أحدٍ بظلمٍ.. فإِن الظلمَ مرتعُهُ وخيمُ، ومن أعان ظالماً سلط عليه، ويخطئ من يظن أن الظُّلم الواقع على غيره لن يصل إليه، ذلك أن الظُّلم لا حياة له إلا بتعميم ظُّلمه، بل إنه ما إن يفرغ من إيقاع الظُّلم على الآخرين لا بدّ أن يطاول بظُّلمه من أعانه عليه سواء بالسكوت والرضا وغض الطرف أو بالعمل والقول، لذلك إياكم أن تظلمو،ا أو تناصروا إلى الظُّلم، إِن الظُّلم يردي ويهلكُ، والظلم أسرع شيء إلى تعجيل النقمة، وتبديل النعمة، ومن دعوةٍ قد تصيبه ممَّن ظلمه، وكيف أنَّها ليس بينها وبين اللَّه حجابٌ أو حاجزٌ، كناية عن سرعة استجابتها، وذلك في حديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقوا دعوةَ المظلومِ، و إن كان كافرًا، فإنه ليس دونها حجابٌ).[رواه الألباني في صحيح الجامع].
ختاماً .. اليوم الجميع يرفع الأيدي بالدعاء أولاً لرفع الظُّلم، لإن أستمرار الظُّلم يهدّد الحقوق والعدالة والمساواة والحرية لأفراد المجتمع، وعليهم جميعاً قول الحقّ وخاصة من قبل المثقفين، وأن يتكاتفون معاً برفع الظُّلم وإزالته باتخاذ المواقف المناسبة واللجوء للعدالة وفرض القانون ليسود فوق الجميع، ويجب أن يتذكر أيضاً الظالمون إنه إذا دعتهم قدرتهم إلى ظُّلم الناس فيتذكروا قدرة اللَّه عليهم، ولا يكون خصماء لهم في يَوْمَ التَّلاقِ، وهو يوم القيامة الذي يتلاقى فيه العباد الأولون والآخرون، ويتذكروا قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).[إبراهيم: 42].
القاضي أنيس صالح جمعان