الوطن الكبير في مشرب

أنور الصوفي

رأيت فيما يرى اليقظان أن الرئيس الجنوبي المنتظر دخل علينا ونحن في مقهى، وأخذ يسأل الواحد تلو الآخر، أنت من فين؟ فقال أحدهم: أنا من محافظة الأبطال، فقال للمباشر نزل له واحد فخفخينة، وسأل الثاني، وأنت من أين أنت؟ فقال: أنا من منطقة مجاورة لمحافظة الأبطال ، فنادى على المباشر أن ينزل له واحد مشكل، وسأل الثالث، وأنت من أين أنت؟ فقال: أنا من محافظة كانت هي الحاضنة لمحافظة الأبطال ، فنزل له واحد منجا، ثم نظر في الآخرين فقال: طبعاً أنتم من خارج محافظة الأبطال، ولا تنتمون إلى تلك المنطقة المجاورة لمحافظة الأبطال، وليس لكم علاقة بحاضنة الأبطال لا من قريب ولا من بعيد، فقام أحد الحضور، فقال أنا من العاصمة التي كانت في يوم من الأيام، ولكن جدتي زوجة أخو جد جدي من منطقة في الأطراف، فقال الرئيس المنتظر: ولكن تلك المنطقة تابعة للعاصمة كما تزعم وتقول، فقال ذلك الشخص: ولكنها قديماً كانت تابعة لحاضنة محافظة الأبطال، هنا تبسم الرئيس، وقال نزلوا له واحد ليم، ثم نظر في البقية، فقال: سامحونا المشروبات خاصة لأبناء محافظة الأبطال، وما جاورها فقط.


هنا ضج المشرب، فقال أحدهم من زاوية في المشرب: كنك وا فخامة الرئيس، أنا من محافظة الخير، ولكن جدي مر ذات يوم من محافظة الأبطال، فهز الرئيس رأسه، فقال نزلوا له واحد شاهي، ولكنه كان ينادي ويقول: مع الباخمري، فقال الرئيس: ونزلوا له حبة خمير.


أراد الرئيس مغادرة المكان، ولكن أحدهم يشد الرئيس من الخلف، فتداعت الحراسة لتبطش به، فقال لهم الرئيس دعوه، ولا تصيبوه بأذى، ولا تخوفوه، فأخذ يطبطب عليه، من أين أنت وماذا تريد؟ قال له: أنا جنوبي، وتربطني بك رابطة الجنوب، هنا انتشى الرئيس المنتظر، فقال: نزلوا له حبة باجية، فقال ذلك الشخص: ولكنها ستحنب في حلقي على الأقل نزلوا لي معها واحد ليم، فقال لمن حوله: أعطوه نص قلص ماء، هنا صفق الحضور، فغادر الرئيس، وكل من في المشرب من العمال الذين ينتمون لمحافظة شمالية يرددون 7/7 آخر يوم.


بعد مغادرة الرئيس للمشرب ضج المكان بالبكاء، والشحيج، والكل يردد يا ليتني كنت من محافظة الأبطال، لأشرب لي واحد فخفخينة، وذاك الآخر يقول: أو ممن جاورها لأشرب لي واحد مشكل، أو منجا فصاح أحدهم، وقد تيبس لقفه من العطش، يا ليتني كنت جنوبياً لأبلل لقفي بنص قلص ماء.


هذا هو واقعنا، وهذا هو حديثنا، اليوم سينالون من أحد رموز الجنوب، وغداً سيكون آخر، وسنظل على هذا الحال، يلعن بعضنا بعضاًً، ولن تقوم لنا قائمة، ولن نتوحد على كلمة سواء، وسيظل الآخرون يلهون بمآسينا، وكل واحد منا سيتصنع له قصة، ليسقط خصمة، سواء أكانت هذه القصة حقيقية، أم غير حقيقية، فهذا هو الجنوب الذي تبحثون عنه، وطن مليء بالمناطقية المقززة التي تزرع الفتن، فدعوها فإنها منتنة، دعوها، ولنتوحد على الحب، وليجمعنا الوطن، فالوطن كبير يتسع لنا جميعاً، فلا تضيقوه بالمناطفية.


يا قوم، لقد غدا الوطن مشتتاً، ومتناثراً، وأصبنا بمرض المناطقية، فلنتصالح قبل أن نبحث عن التصالح بين الأنقاض وساعتها لن نجده، وقبل أن نبحث عن التسامح بين الدماء المسفوكة، ولن نجده، فالوطن ليس بحاجة لتكريس المناطقية، لقد شبعنا فوضى، ومناطقية، نريد دولة، نريد حرية، نريد خدمات، نريد قانوناً يمشي على الكل صغيرهم وكبيرهم، نريد وطناً، نبتغي دولة مثلما هي عند غيرنا من شعوب العالم، فهل نستطيع تحقيق الدولة؟

مقالات الكاتب

ليلة القبض على راتبي

  عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص،  وص...