عن أي تكنوقراط تتحدثون ياسادة ؟

قصة الفساد في بلادنا قديمة نسبيا..فقبل الوحدة اليمنية كان يكاد يكون بالجنوب شبه معدوم ولم يتعدى وجوده نطاق بعض صور الاستغلال السيئ للسلطة والوظيفة العامة..الا في حالات معدودة جدا حيث اطيح برؤوس بسببها..اتذكر ان احد كبار المسؤولين كاد ان يعدم بسبب شبهة فساد حوله لولا عفوا رئاسيا طاله في الرمق الأخير..واحدهم اعدم لانه سرق" تنكة" سمن او تمر..ولوعلمت النار حينها بما يفعل رمادها اليوم لما اعدم سارق التنكة المسكين ! وفي الشمال كان هناك فساد لكنه لم يكن بالحجم والجرأة والزخم والحماية التي هو عليها الان ابدا.

لكن الفساد بصورته المخيفة التي نراها اليوم والتي معها يخال المرء وكانه قد غزى كل بيت كالتلفاز، بدأ فعليا مع الوحدة وازداد توحشا بعد حرب صيف 94م ووصل الى ذروته مع نهاية العقد الأول للالفية الجديدة..ومع بداية مايفترض انه العهد الجديد وتشكيل حكومة الوفاق تعاظم

 الفساد بعد ان انضمت اليه جحافل جديدة واستمر الى ان وصل لحالته المسعورة التي هوعليها الان..وطيلة هذه الفترة انتج طبقات وشرائح وازال أخرى تقليدية اصيلة لم تصمد امام موجاته الجارفة...التكنوقراط الغالب الان هو ضمن منتجاته وفي مقدمتها ،حيث كان عبارة عن أدوات في ايدي حاشيات الحكام والمتنفذين السياسيين والعسكريين والقبليين ومن هم على شاكلتهم العديمو او المتدنيو التعليم أساسا، أدوات و روافع و واجهات لانفاذ فساد هؤلاء في مفاصل ومراكز ومرافق الدولة المختلفة وتمريره وتدويره واخفاءه بتقينات هذا التكنوقراط الذي يفترض انه "المتعلم المستنير" مقابل بعض الفتات منه..لكن الحال تغير بعد2011م فتطورت هذه الأدوات مع توسع الفساد وبسبب المكتسبات التي جنتها وجعلتها اقوى حضورا عن ذي قبل خصوصا مع تزايد الحاجة لها للقيام بالاعمال"القذرة" لحساب قوى الفساد الكبرى ودوائر نفوذ الدولة العميقة السابقة والتي اضطرت للتراجع التكتيكي قليلا عن الأضواء مع تصاعد التوترات واحتدام الصراعات وتعقيداتها بشكل غيرمسبوق ودخول قوى جديدة صاعدة الى حلبة الصراع..كما ان ازدياد اهتمام المجتمع الدولي والدول الكبرى بالشأن اليمني،وصدور قرارات دولية تعنى بالاموال والعقوبات حولها شكل سبب اخر لذلك. 

استفاد تكنوقراط الفساد من هذه الضروف لأنها وفرت له بيئة خصبة ليتضخم ويستقوي، ونجح بعضه في التسلل الى ميدان الصراع السياسي نفسه،وبالتالي تطوره ليغدو أداة للفساد والصراع السياسي في ان واحد،مما اكسبه شي من الشراكة والحماية والتمكين من طرف اقطاب اللعبة السياسية وقواها الكبرى دون استثناء. وهذا معناه ان الارتباط اضحى بنيويا ايضا وليس وظيفيا وحسب بين قوى الفساد والاقطاب المتنافسة الكبرى وهذا النوع الفاسد من التكنوقراط، فتعزز وجوده في صفوف الكيانات السياسية والسلطوية المختلفة، مختبئ بينها طلبا للحماية والتمكين تارة،وظاهرا بمقدمة الصفوف بجسارة واناقة بل واحيانا بوقار وبمسحات تدين مهيبة تارة أخرى، فبات لذيه رموز تسيطر على وزارات وسفارات وقنصليات ومرافق ومفاصل حساسة بل وقطاعات وكيانات امنية وعسكرية وازنة ،ووصل الامرالى حد ان صار له من يشارك في رسم السياسيات وتشكيل الآراء والاتجاهات وفرضها وربما اكثر من ذلك، وقصص فساد هذا التكنوقراط لاتنتهي وبعضها يكاد لايصدق لغرابتها ومدى قبحها ودنائتها..وكثير منها ليس خافيا على الناس.

ولهذا لم يعد مستغربا ان نرى هذه الايام حمى هذه النشاطات وهذا التسابق من طرف بعض قيادات هذا التكنوقراط الفاسد واتباعهم والتي تسيطر بعضها على إدارات كاملة لبعض مرافق ومفاصل الدولة بعد ان عينت طواقم قيادات فاسدة موالية لها لتحكم قبضتها عليها، وهذه النشاطات من ندوات وحلقات نقاش وفعاليات إعلامية متنوعة وتسريبات مفبركة على السوشيال ميدا وغيرها تاتي في سياق ترويجها لعناصرها سواء المعروفة منها او المغمورة واظهارها وتلميعها على امل تعيينها وقضم مايمكن قضمه من كعكة التسوية القادمة..فأن كان هذا النوع من التكنوقراط  هو من ستكلفونه بأصلاح الاحوال،فاسحموا لي أن أقول لكم مقدما على اتفاقكم السلام ..!

ورغم اني لااميل لفكرة حكومة التكنوقراط هذه ليس فقط بسبب مااوردته أنفا،ولكن لان التكنوقراط كذلك برايي ليس بالفكرة السديدة لزمن الحروب,فربما تكون حكومة انقاذ وطوارئ متنوعة الكفاءات والخلفيات يكون معيار تعيين أعضاءها الأول النزاهة والانحياز لقضايا الجماهير والوعي العالي بالخطورة الشديدة للمرحلة كافية،خصوصا اذاماكانت "متدبرة" وصاحبة قرار وتؤدي اعمالها بنفس عسكري "ولا اعني هنا حكومة عسكرية بالطبع"وانما عنيت من حيث  الدقة والوضوح والمثابرة على أداء مهماتها والحزم والصرامة في مواجهة الإهمال والتسيب والتراخي السائد، وقادرة على شن حرب لاهوادة فيها على زعماء الفساد وعصاباتهم واوكراهم في مختلف المرافق "في الداخل والخارج"..كما ان المحاصصة المتفق عليها ستجعل مهمة تشكيل حكومة تكنوقراط بمتابة التفاف على الفكرة وتسطيحا لها.

لكن ان كان ولابد من حكومة تكنوقراط فان المهمة لن تكون سهلة، فمن اين سنأتي بالتكنوقراط النظيف والنزيه؟وكيف يمكن له الانتصار في هذه المواجهة المرعبة الغير عادلة مع فيالق الفساد وعصاباته..؟ ناهيك عن الكم الهائل من الأعباء والمهام والمشكلات التي ستجدها في انتظارها،هذا اذا ماافترضنا انها ستكون في مناى عن التدخلات المستمرة للقوم !!؟

وكيفما كان الامر فأن الحلول لازالت ممكنة وبعضها يمكن ان تقوم به حتى شركة تجارية خاصة..فكيف بالامر في حالة دول كبرى واطراف سياسية فاعلة..واعني هنا انه ليس من الصعوبة عليها بمكان رغم كل شي واذا "ماتوفرت"..وأكرر اذا ماتوفرت "الإرادة السياسية الحقيقية وحسن النوايا" لذا صناع القرار لهذه الأطراف السياسية ،ليس صعبا عليها تشكيل الية بحث وتدقيق وتحري محترفة وفعالة يتم الاشراف عليها من طرف مستويات عالية وخاصة من طرف "الراعي والضامن" للتحري والبحث بحيادية وشفافية ودقة حول كل اسم يرشح لاي موقع قيادي أيا كان نوعه او مستواه،وبهذه الطريقة يمكن كبداية طرد الفساد والفاسدين ايا كانت أسمائهم او خلفياتهم،وايا كانت مظاهرهم او مؤهلاتهم...فلا خير ابدا يمكن ان يولد من رحم الفساد.

مقالات الكاتب