لعنة التتويج تُلاحق الأبطال دائماً
كما كان متوقعاً منذ بداية بطولة كأس أمم أفريقيا في الكاميرون، خرج حامل اللقب، المنتخب الجزائري، من ا...
صنع نهاية الأسبوع جمهور اتحاد الجزائر الحدث في مباراة دوري أبطال العرب بهتافاته التي دفعت فريق القوة الجوية العراقي الى الانسحاب من الملعب احتجاجا على الهتاف باسم الرئيس الراحل صدام حسين وهتافات أخرى اعتبرها العراقيون إساءة في حق احدى الطوائف العراقية، وهو أمر مؤسف بكل جزئياته وحيثياته، سواء تعلق بتصرف أنصار الفريق الجزائري أو ردود فعل مسيري النادي العراقي، أو حتى ردود الفعل هنا وهناك في وسائل الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي في البلدين.
جماهير الكرة في الجزائر، تعودت على جعل المدرجات منبرا للتعبير ومتنفسا لنسيان الهموم والمشاكل وفضاء للتعبير الحر وانتقاد النظام الجزائري والشخصيات الوطنية في كل ملاعب الكرة، لكن جمعاً من جمهور اتحاد العاصمة تجاوز الحدود، ولم يحترم خصوصيات عراق اليوم الذي لم يعد في غالبيته يعتبر صدام حسين زعيما ورمزا من رموز الوطن، وخصوصيات عراق يتميز بطوائفه العديدة لكنه يتحسس كثيرا من النعرات الطائفية التي يعاني منها الويلات، وهو من حقه طبعا ولا أحد بإمكانه أن يعارض ذلك أو يتدخل فيه من خارج العراق.
مسيرو الفريق العراقي من جهتهم بالغوا في رد فعلهم عندما قرروا مغادرة أرضية الميدان والادلاء بتصريحات فيها الكثير من المغالطات، عوض احتواء الحادث وتجاوزه مثلما تجاوز العراقيون محناً أكبر مرت على شعبهم عبر التاريخ، وكان بإمكانهم تطويق الحادث لو واصلوا اللعب ثم الاحتجاج بعد ذلك لدى الاتحاد العربي الذي سيفرض لا محالة عقوبات على الفريق الجزائري، إذا اعتبر تلك الهتافات عنصرية أو فيها حقد وكراهية وإساءة للفريق الضيف، كما تنص عليه كل لوائح الاتحادات الرياضية في العالم.
بعض وسائل الإعلام في العراق تجاوز حدود اللباقة والاحترام في الرد والتعليق على الواقعة، وراح ينفخ فيها ويسيء الى الجزائر شعبا وحكومة، وكأن الجزائريين أساءوا للدولة والشعب العراقيين، وهو الأمر الذي لم يحدث عبر التاريخ. عندما تستدعي وزارة الخارجية العراقية سفير الجزائر في العراق للاستفسار أو الاحتجاج، فان الأمر يكون عاديا وطبيعيا في الأعراف الدبلوماسية، وعندما يأتي الرد الجماهيري العراقي في وسائل التواصل الاجتماعي قاسيا، فبالإمكان وضعه في نطاقه الجماهيري الذي لا يمكن الاستناد اليه في مثل هذه المواقع، لأن المشاعر والعواطف هي التي تحركه، أما أن يكون الرد عنيفا ومؤذيا في وسائل الاعلام الرسمية والخاصة المقروءة والمرئية، فهذا الذي يجب ألا يكون بين بلدين فيهما ما يكفيهما من الهموم والمشاكل والانشغالات.
إذا كان صدام حسين مجرما وليس بطلا في نظر العراقيين، واثارة النعرات الطائفية خط أحمر عندهم، فإن شهداء الجزائر وشعب الجزائر خطان أحمران أيضا يجب عدم تجاوزهما من أي كان في نظر الجزائريين الذين لم يرضيهم تصرف جماهير اتحاد العاصمة حتى ولو كان بحسن نية، ولم ينساقوا وراء التصعيد، بل تناولوا الواقعة من باب الدعابة، مثلما كتب أحد المدونين بقوله: «أخبروا إخواننا في العراق أننا نشتم يوميا المسؤولين عندنا لكن رغم ذلك لم ينسحبوا من مواقعهم»، وهو رد يحمل بدوره خفة دم والكثير من معاني الاستخفاف بما حدث واعتباره حدثا عابرا ومعزولا، لا يعبر عن وجهة نظر الدولة الجزائرية أو الشعب الجزائري الذي وقف زمانا مع عراق صدام بكل مكوناته ويقف اليوم مع العراق الجديد بكل آلامه وآماله.
العراقيون من حقهم التحسس والاحتجاج، ومن حقهم حتى المطالبة بالاعتذار، مثلما طالب به السعوديون عندما رفعت جماهير فريق عين مليلة لافتات تحمل صور الملك مناصفة مع ترامب، لافتات اعتبرها الجانب السعودي إهانة لملكهم، فاعتذر لهم الوزير الأول الجزائري، علما أن جماهير اتحاد العاصمة هتفت لصدام بنية حسنة، اعتقادا منها بأن الرجل لا يزال رمزا من رموز العراق، وكانت دائما تهتف باسمه لما كان يعتبر زعيما عراقيا ابان أزمة الخليج وزعيما عربيا أثناء الغزو الأمريكي للعراق، أما الهتافات الطائفية فلا أحد يقبلها أو يجد لها الأعذار في الجزائر وفي العراق على حد سواء، لأنها جزء من خصوصيات تحمل حساسيات يجب تجنب الخوض فيها.
صحيح أن هتافات الجماهير وقناعاتهم لا تمارسها النخبة أو الساسة في الجزائر وفي غيرها من البلدان، لكن لا أحد ينكر بأنها نابعة من قناعات شباب يحتاج الى توعية وتثقيف وتنوير من طرف الأولياء وجمعيات المجتمع المدني والمساجد والمدارس ومن طرف الاعلام هنا وهناك، شباب يجب أن يوجه بالاحتواء والتأطير في كل مجتمعاتنا العربية التي لا تزال تعاني من هشاشة فكرية وأخلاقية وثقافية وسياسية تتطلب المزيد من الوعي بتحدياتنا، وضرورة احترام خصوصيات مختلف المجتمعات وحساسياتها تجاه ما يفرقها ويزيد من متاعبها، لأن صدام حسين رحل والطائفية والعرقية والحقد والكراهية هموم نتمنى أن ترحل عنا وأن نتجاوزها بالحب والاحترام المتبادل في كل الظروف وكل المجالات. زلات لسان لن تغوص في عمق العلاقة بين بلدين بل شقيقان.