ماذا بعد؟!
في الـ19 من شهر فبراير المنصرم، عقدت قيادة السلطة المحلية بحضرموت اجتماعا مع الجهات المعنية لمناقشة...
سالم فرج مفلح، كما يحب أن يمسي نفسه متجردا عن الألقاب، شأنه شأن كل مثقف حقيقي وعالم موسوعي قضت ثقافته الواسعة وطغى علمه الغزير على حظوظ نفسه البشرية المائلة بفطرتها الى خلع كل معاني التبجيل على ذاتها والراغبة في إضفاء كل صفات العظمة عليها، وهذا ليس بغريب على هامة في مثل مقامه، فهو ذلك الباحث الحصيف والاستاذ الكبير والكاتب القدير والمؤلف العظيم، رجل المواقف الثابتة وصاحب المعارف الواسعة وذو النظرة الثاقبة للأمور والقضايا وحتى كل الأشياء الأخرى!.
غادر دنيانا الفانية هذا اليوم كما أتاها وعاش بها بصمت مهيب ودون ضجيج صاخب، الا ذلك الضجيج الواعي الذي يحدثه حينما يكتب مقالا أو ينشر بحثا أو يصدر كتابا أو حينما يلقي محاضرة، فكل نتاجه الفكري كان صاخبا يحدث ضجيجا على الأقل داخل وجدانك، كيف لا وكل نتاجه الفكري كان يقدم رؤية مختلفة ومتفردة، ولا نبالغ إن قلنا أنها رؤية نادرة عن كل ماعرفته وسمعته وقرأته من قبل، وليس ذلك بغريب عليه فهو معروف بإطلاعه الواسع وتدقيقه الرصين، ولو طالعت بعضا من مقالاته أو قرأت فصولا من كتابه (حضرموت بين القرنين الرابع والحادي عشر للهجرة العاشر والسابع عشر للميلاد .. بين الأباضية والمعتزلة .. مشروع رؤية) أو من كتابه الآخر (التزوير واستلاب الهوية .. قضايا تاريخية من حضرموت من التاريخ السري للاستعمار البريطاني) لاتضح لك ذلك!.
كنت محظوظا عندما تشرفت بزيارته قبل حوالى ثلاثة أعوام في بيته العامر بمدينة (الديس الشرقية) رفقه العم سالم باماخش والعم حسن باصم، وتبادلنا أطراف الحديث حينها في قضايا ومواضيع كثيرة، وكم غمرنا في تلك الساعات بحسن ضيافته وحلاوة حديثه وكثير تواضعه، وأكرمني وقتها بإهدائي نسخه موقعة بخط يده من كتابه (حضرموت بين القرنين الرابع والحادي عشر للهجرة العاشر والسابع عشر للميلاد .. بين الأباضية والمعتزلة .. مشروع رؤية) ستبقى ذكرى عزيزة تحفظ في وجداني جمال وعظمة وعطاء هذا العلم الحضرمي الخالد.
خلال السنوات القليلة المنصرمة رحل كثير من عظماء هذه الأرض الحضرمية الطيبة، رحلوا بعد أن نالهم جلّهم الإهمال المتعمد وبعد أن طال من مقامهم التجاهل الأحمق ولم يحصلوا على حقهم المستحق من التقدير والدعم والاحتفاء، ولولا شغفهم الذاتي وتفانيهم في خدمة مبادئهم ورسالتهم وحرصهم على ماضي وحاضر ومستقبل حضرموت لما رأينا شيئا من نتائجهم الفكري ولما وصل إلينا هذا النزر اليسير من عطائهم الذي كتبوه بدم قلوبهم وحبر وجعهم وتصفحناه ذات يوم بين دفتي كتبهم.
يرحل عظماء حضرموت الواحد تلو الآخر، يرحلون ونحن في أمس الحاجة إليهم، يرحلون دون بيانات نعي رسمية من قبل الجهات المعنية!
سالم مفلح