الأبعاد الخطيرة "الجيوسياسية" لمنع اليمنيين من العمل في السعودية
هل استسلمت السعودية أمام الواقع الذي يفرضه الحوثيون وإيران في اليمن كما استسلمت أمريكا أمام الواقع ا...
إدعت سلطنة عمان الحياد في الملف اليمني وملفات الصراع عموماً في الشرق الأوسط؛ لكن ذلك الحياد تبدد في الملف اليمني؛ ولم يعد في قدرة السلطنة إخفاء تورطها من رأسها الى أخمص قدميها في اليمن.
منذ فترة اعتمدت السلطات العمانية مرتبات مجزية لقادة الحوثيين ولقيادات المؤتمر الشعبي العام المقيمين لديها؛ محمد عبدالسلام؛ عبدالملك العجري؛ حسين العزي؛ وكل من مر من السلطنة من قيادات الحوثيين وارتبط عمله بالجانب السياسي او ملف المفاوضات يتسلم شهرياً مبلغ مجزي من المكتب السلطاني؛ ولم يعد هذا خافياً على أحد ممن يعرفون كواليس المكتب السلطاني؛ وبالأخص مكتب المخابرات فيه؛ والذي يشرف على تلك القوائم؛ والتي من ضمنها اسماء جنوبية كثيرة تُحرك المظاهرات في بعض المحافظات الجنوبية؛ وسأتحدث لاحقاً عن هذه الجزئية المتعلقة بالجنوب في مقالة مستقلة.
السعودية تصرف مرتبات والإمارات تصرف مرتبات؛ والمكتب السلطاني لم يستحدث سابقة في التدخل في الشأن اليمني؛ لكن الفرق بينه وبين التدخل السعودي والإماراتي أنه لا يزال الى الآن يلعب من تحت الطاولة؛ وهنا تكمن الخطورة؛ فمن يُخفي أهدافه ومشاريعه يكون تدخله أشد ضرراً ممن يعلن عنها ويشارك بشكل مباشر؛ لأنه يضع نفسه تحت المراقبة المحلية والعالمية؛ ويسهل نقده على أخطائه أو تجاوزاته؛ وتحميله المسؤولية حتى ان أخطاء حلفائه؛ لكن التدخل السري لا يمكن مراقبته ولا معرفة مدى توغله ولا تحميله مسؤلية عن افعال الجهات التي يمولها ولا عن جرائمها؛ اضافة الى ان اخفاء شيء يعني انك تخجل منه؛ وهذا يعني أيضاً أنك قد تكون أداة بيد غيرك؛ وأن الذي يدير ذلك التدخل وملف قوائم المرتبات تلك مخابرات دولة أخرى؛ وانت فقط ممول ومتعاون؛ وهذه الجزئية هي التي تدفع لإبقاء العمل سري؛ مخافة ان تتعرض لضغوط من دول غربية اذا ما اكتشفوا وتأكدوا أن المخابرات الإيرانية متوغلة الى هذا الحد داخل المكتب السلطاني والمخابرات العمانية.
إذا كانت عُمان تشتغل في الملف اليمني لحسابات عمانية صرفة فمن حقها؛ لكن لماذا لا يكون تدخلها واضح المعالم كالتدخل السعودي والإماراتي؟؛ لا اتحدث هنا عن تدخل عسكري؛ اتحدث عن الدعم المالي والإعلامي والسياسي والخبرات والعلاقات التي توفرها السلطنة لجماعة الحوثيين ولمن يرتبط بهم في اليمن؛ لماذا لا تعلن عن أجندتها ومشروعها من ذلك؟؛ فتكتمها بهذا الشكل يعني أن هناك ما تخفيه وتخاف منه؛ ولا يتسق مع القانون الدولي؛ وتخشى أن يؤخذ عليها أو يوظف ضدها؛ وبالأخص أن هناك قرارات دولية تفرض حصاراً صارماً على إيران في عدة مجالات.
فلتعلن سلطنة عمان عن أجندتها في اليمن؛ وعن حلفاءها السياسيين شمالاً وجنوباً؛ ولتلعب على المكشوف لنراقب دورها وتصرفات حلفاءها على الأرض؛ فمن العار والمخجل ان تصبح دولة عربية عريقة نكن لها ولشعبها ولحكامها كل الاحترام والتقدير مجرد اداة بيد جهاز المخابرات والحرس الثوري الايراني؛ فتغسل بها ايران سوئتها وتتجنب بها مزيد من العقوبات الدولة التي قد تقصم ظهرها.
كما أن استضافة عمان لبعض القيادات التي تبدوا وكأنها تعارض الحوثيين ومعالجة بعض جرحى تعز من الذين قاتلوا في صفوف الشرعية ما هي الا عملية خداع استراتيجية لتستمر السلطنة في تمثيل دور الحياد؛ اضافة الى ان تلك النافذة تم فتحها عقب الخلاف القطري السعودي؛ ولا تستضيف عمان غالباً من الأطراف الأخرى الا الموالية لقطر؛ وكل هذا تمهيد لجمع مل تلك الأطراف في مرحلة لاحقه ليتحالفوا مع الحوثيين في مرحلة لاحقه؛ وفقاً لما يتم رسمه بين أجهزة المخابرات الثلاثة؛ الايرانية والقطرية والعمانية؛ وبالتنسيق مع المخابرات التركية؛ حيث توحدت أهداف واجندات هذه الدول في الملف اليمني لمواجهة ما يعتبروه عدو مشترك لهم في المنطقة؛ وهو التحالف السعودي الاماراتي.
وهذا الحياد الخادع الذي تتظاهر به السلطنة هو الذي يقتل اليمن واليمنيين؛ لأنه يوفر للحوثيين منصة للعمل الخارجي ومكان لغسيل اموال الدعم الايراني الذي يضاف الى ما تقدمه السلطنة؛ وكذلك متنفس للحوثيين ومصنع لتحالفات غير معلنة في الشمال والجنوب يعد لها على قدم وساق في المطبخ المخابرات الرباعي.
كما وسع مكتب المخابرات العمانية في المكتب السلطاني دوره في اليمن مؤخراً؛ فبدأ باستضافة كتاب وإعلاميين وناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي؛ يمنيين من الجنسين؛ كانوا الى وقت قريب معارضين شرسين للحوثيين وفي نفس الوقت ناقدين بقوة للتحالف وأخطائه؛ وبعد زيارتهم للسلطنة تم اعتماد مرتبات لهم؛ ومن لحظتها تغير خطابهم تماماً (كماً ونوعاً)؛وأصبحوا يخدمون الحوثيين وبشكل واضح من من مربع الاستقلال والموضوعية والوطنية اليمنية؛ وهنا مكمن الخطر الذي تلعب عليه عمان؛ انها تسعى للتعاون مع ناشطين وكتاب ظاهرهم كظاهرها؛الحياد والموضوعية وباطنهم تقمص الدور العماني الذي يدار بالأساس من إيران؛ (طبعاً لا أتهم كل من زار السلطنة انه بات او قبل أن يكون ضمن تلك الجوقة؛ لكن بامكانكم ان تتعرفوا عليهم من خلال تغير خطابهم بعد الزيارة؛ ولدي بعض الأسماء لكن لا أرغب في نشرها حتى لا يقال انني أشخصن القضية؛ وأترك للمتابع الحصيف مهمة معرفة تلك الأسماء من خلال متابعة دورها الذي بات يتماها تماماً مع الحوثيين)؛ وكلنا يعلم العلاقات التاريخية الممتدة بين السلطنة وإيران؛ وأنا هنا لا أعيب تلك العلاقات؛ فلا شأن لي بذلك؛ وحديثي يقتصر على الدور العماني في اليمن الذي اعتبره امتداد للمشروع الإيراني لكن بأيادي عربية للأسف الشديد؛ اضافة للغموض الذي لا يزال يكتنفه والصورة الإيجابية التي يسعى لأن يرسخها في وعي اليمنيين عنه ما قد يمكنه من التوغل والتأثير أكثر ولهذا أجد نفسي معني بكشف طلاسمه للعامة والتحذير منه وكشف المرتبطين به.
لست ضد سلطنة عمان؛ وأحترم السلطان قابوس جداً؛ لكني للأسف أجد عمان في صف جماعة الحوثيين؛ التي ورطت اليمن وشعبه في هذه الحرب الملعونة بانقلابها المشؤوم؛ والذي جعل من بلدنا ساحة حرب إقليمية مفتوحة.
من حق عمان ان تدعم الحوثيين؛ وان تسعى لتكريس سلطتهم؛ ودفع العالم بشتى الوسائل للاعتراف بهم فقط لأنهم ضد السعودية؛ التي ليست على وفاق معها كما هو معروف؛ لكن من حقي كيمني يرى ان جماعة الحوثي كارثة على اليمن واليمنيين بالأساس ان اكشف الدور العماني الضار في اليمن من وجهة نظري؛ والذي يسعى لتقمص الحياد والإنسانية بشتى الوسائل وأنا أدرك وغيري الكثير أنه يتماهي تماماً مع المشروع الايراني بل ويدار بشكل مباشر من طهران.
لن أزايد على من يتلقون مرتبات من سلطنة عمان؛ فنحن كذلك ودولتنا وحكومتنا نتلقى هبات من السعودية بين الحين والآخر بعد ان طردنا من وطننا ولم يعد لنا مكان نتحرك فيه ولا جهات نتحالف معها الا المملكة؛ ومع ذلك ننتقد التحالف عندما يقصف مدنيين او بنية تحتية او يتسبب في أي كارثة أو جريمة؛ وتتوتر علاقاتنا أحياناً وتعود أحياناً أخرى؛ كما أننا ننتقد وبوضوح وحزم شرعية هادي وفسادها وضعفها وعجزها وانعدام الخيال لدى كوادرها؛ لكن تحالفنا مع المملكة معلن وفي ضوء الشمس؛ لا نخفيه؛ واهدافه معلنة؛ وعلى رأس تلك الأهداف إسقاط الانقلاب الحوثي؛ بعكس الأطراف والشخصيات والكتاب والناشطين الذين التحقوا بقوائم مرتبات مكتب المخابرات العمانية في المكتب السلطاني؛ والذين يتم تشغليهم وفقاً للأجندة الإيرانية دون أن يشعروا بذلك؛ أتحدث هنا عن غير الحوثيين من الذين تمكن المكتب السلطاني من استقطابهم مؤخراً؛ والذين عليهم أن يعرفوا ما هي الأجندات التي يشتغلون وفقها وبعدها لهم القرار؛ وأنا هنا لا أطلب منهم مدح التحالف والشرعية؛ بل العودة لما كانوا عليه من أنصاف وموضوعية؛ حتى لا يكونوا جزء من الأجندات التي يرسمها مكتب الخامنئي دون ان يشعروا.
ليسجل التاريخ أن سلطنة عمان وقفت مع جماعة كهنوتية متخلفة سامت اليمنيين سوء العذاب وتسببت في كل الكوارث التي يعيشها وطننا منذ أكثر من أربع سنوات.
ليسجل التاريخ أن عمان دعمت جماعة ارهابية فجرت منازل اليمنيين؛ وزرعت مدنهم وطرقهم وجبالهم ووديانهم بمئآت الآلاف من الألغام ان لم يكن الملايين؛ والتي سيدفع اليمنيون رجالاً ونساء وأطفال وعجزة ثمنها من دمائهم وأرواحهم وأطرافهم التي تبترها ألغام عبدالملك الحوثي الممولة بالريال والسياسة العمانية.
ليسجل التاريخ ان سلطنة عمان وبسبب خلافاتها مع السعودية ومدفوعة بالمخاوف منها استباحت اليمن وشكلت ما يشبه عملية غسيل الأموال للدور الإيراني؛ لكنها عملية غسيل شاملة للكثير من الجوانب غير المادية كذلك وهنا تكمن الخطورة.
ليسجل التاريخ أن سلطنة عمان وقفت مع عبدالملك الحوثي وجماعته الذين أخفوا قسرياً وعذبوا وسجنوا عشرات الآلاف؛ ومات في سجونهم الكثير تحت التعذيب؛ وسجنوا حتى النساء في فلل خاصة لا تخضع لأي سلطة قضائية؛ وصنفتهم منظمات دولية بأنهم الخطر الثاني في العالم على الصحفيين بعد تنظيم داعش.
ليسجل التاريخ أن سلطنة عمان تحولت لمنصة أو حاملة طائرات إيرانية ترسوا بجانبنا وتستغل التاريخ المشترك والود الذي يجمع الشعبين العماني واليمني لتغسل الدور الايراني القذر في اليمن.
#زوار_مسقط
كتب/علي البخيتي