ذات عدن ...ذات حضرموت ( 3 )

هل صنع الحضارم سفنهم الخشبية الشراعية في عدن على غرار الفينقيين ؟!     
    صناعة السفن قديمة جدا في تاريخ المنطقة عرفتها عدن منذ الآف السنين .  مايدل على قدم هذه الصناعة ماذكره الباحث طاهر ناصر المشطي في بحثه " دور الحضارم في صناعة السفن الخشبية في عدن " من ان المؤرخين والرحالة اليونانيين القدامى تحدثوا عن السفن الحضرمية القديمة ووصفوها بأنها سنابيق صغيرة الحجم . "
     لاذكر. لسمنبوق الشندة في السفن والمراكب اليمنية التي عرفت في القرن السادس عشر الميلادي. والتي حملت مسميات. : " الجلبة ، والغراب ، والطراد ، والسنبوق العدني ، والعبري ، والعبري سنبوق ، والطليعة " . وقد ذكرت جميعها ضمن الحملة البرية والبحرية التي شنها السلطان بدر ابوطويرق على المشقاص ( المهرة ) في القرن العاشر الهجري . وكانت " الجلبة " مخصصة لنقل البضائع والجمال والركاب ، وقد انقرضت منذ زمن بعيد وحل محله " السنبوق العدني " في البحر الاحمر . 
     اما السفينة الحضرمية ; السمبوق ( الشندة )  فقد ظهرت في فترة متأخرة ، وهي تعد ابتكارا حضرميا خالصا نجحت اسرة ال بن ربيد من الديس الشرقية  بصناعته بحرفية عالية دون التـأثر او الأخذ من نماذج صناعات السفن الخشبية. للبلدان الاخرى ، كما جاء في البحث . 
  وكما لاذكر لسمبوق ابوشندة في سفن القرن السادس عشر كذلك يختلف عن مثيلاته " البغلة"  الهندية ، والغنجة " العمانية ، و " البوم " و الكوتية الكويتية ، و " البوم " البحرينية ، و " اللنج او المحمل " الايرانية ، واخيرا يختلف عن " الزيروق " اليمنية الشمالية . 
    متى وكيف استطاع هؤلاء النجارون المهرة صناعة تلك السفينة الحضرمية ( ابوشندة ) ؟! 
  يقول الباحث طاهر المشدي انه لا احد يعرف تحديدا متى تم ذلك ، لكنها تختلف عن غيرها من السفن التجارية الأخرى بمقدمتها المنخفضة وجدارها الخلفي العالي ، وبما انه لم يرد ذكرها في السفن الحضرمية القديمة او تلك التي عرفت في العصور الوسطى ، فالاحتمال انها صنعت او ظهرت بعد ذلك . ويشير الباحث الى احتمال ان يكون النجارون الحضارم المهرة قاموا بتطوير "  العبري "  التجاري الحضرمي الذي كان يستخدم في النقل التجاري بين سواحل حضرموت والسواحل الأخرى ، ليتلاءم مع حاجة اصحاب السفن والتجار الحضارم إلى سفن كبيرة ثنافس السفن الاجنبية التي دخلت ميدان المنافسة في النطاق الجغرافي التقليدي الخاص بهم . لكنه لايحدد الزمن الذي تم فيه ذلك . ويقول انهم اطلقوا على سفنهم الجديدة الساعية ابوشندة واستخدمها الملاحون الحضارم وغيرهم من اهل الساحل الجنوبي في النقل التجاري إلى جانب " العبري " قبل ان يتحول إلى سفينة صيد ، و"الساعية "  وهي عبارة عن سفن تستخدم لنقل الحمول من البواخر الى الميناء . 
    تستغرق صناعة السفن الخشبية الكبيرة عادة عامين ، وتصنع ضمن اقسام متعددة ، ولكل قسم مهرة وعمال وصناع معينين يختصون به ، وهي عملية تتم يدوية مائة بالمائة ،  وطوال هذه الفترة تظل معرضة لأشعة الشمس حتى تلتحم الالواح التي تثبت بدورها بالابوال الحديدية ، وبعد الانتهاء من صناعة السفينة تدهن ببعض طلاء زيوت السمك . ولايتم سوى صنع 7 سفن من هذا النوع في العام الواحد .           
    لكل شعب عاداته وتقاليده ..
    ينفتح البحر ويستقبل السفينة الجديدة ، وخلال ذلك يتم ذبح رأس من الماعز او الكباش يأكله البناءون  ، وحسب الاعتقاد السائد حتى لاتتسبب السفينة  في قتل ركابها إذا ماتعرضت لعواصف او مخاطر في البحر  .. ويبدو هي عادة موروثة من القدم ، نجد مثيلا لها لدى الأوربيين عند تدشين السفن الجديدة  حيث يتم تحطيم زجاجة شراب " شمبانيا " على مؤخرة السفينة احتفالا بانتهاء عملية البناء ودخولها عالم الإبحار !! 

يذكر الباحث طاهر المشطي ان اكبر السفن الخشبية الشراعية التي بنيت هنا في معلا دكة ، على يد البنائين الحضارم من الديس الشرقية ، سفينة " النصر " والتي تسمى المحمدي ايضا ، التي وشرها المعلم المرحوم فرج سالمين بن ربيد لصالح مالكها الشيخ محمد عمر بازرعة سنة 1945م ، وهي من اكبر السفن الخشبية حمولة على امتداد شبه الجزيرة العربية والخليج آنذاك  ، وتبلغ حمولتها 7000 الى 8000 كيس. ( 700 - 800 طن ) وفي وقت لاحق آلت ملكيتها إلى باشنفر . 
سفينة الخرطوم ، وتبلغ حمولتها 6000 كيس ( 600طن ) من املاك الشيخ علي محمد بازرعة ، وتمت وشارتها سنة 1947 على ساحل باسودان في معلا دكة على يد المعلم سعد عوض بن ربيد وشهرته " السويني " . 
وهناك سفن اقل وزنا مثل " الهاشمي " حمولة " 4000 كيس (400 طن )  من املاك الشيخ عبد الرحمن محمد عمر بازرعة ، وشارة المعلم المرحوم محمد سالم بن ربيد " مريوح " على ساحل بازرعة - معلا دكة . 
" الرياض " من املاك محمد وسالم ابناء محمد باشنفر ، حمولة 3500 كيس ( 350طن ) ، وشارة المعلم صالح عوض بن ربيد على ساحل بازرعة . 
و" السعيد " من املاكهما ايضا ، حمولة 3000 كيس ( 300طن ) 
وشارة المعلم سعيد عوض سالمين بن ربيد عام 1952 على ساحل جزيرة العبيد ( العمال ) حاليا .
"  فلسطين "  من املاك الشيخ احمد عبد الله باشنفر وإخوانه ، وهي اخر سفينة تمت وشارتها من سفن الشحن الكبير على يد المرحوم مبارك عبد الله بن ربيد ، حمولة 3000 كيس ( 300طن ) بين عامي 1958 - 1959م . 
" المنشية " من املاك حسن فائز من اهالي جدة ،حمولة 2500 كيس ( 250طن ) وشارة المعلم المرحوم سعيد عبد الله بن ربيد سنة 1949 . 
لقد صنع اولئك الحضارم ، الديسشرقاويون سفنا كثيرة في عدن ، حملت عدة اسماء ، وبحمولات مختلفة ، ولعدد من الملاك ، قطعت البحار والمحيطات ، ورست في موانئ شتى ، وساهمت في السيادة البحريةالحضرمية على تلك البحار ، وكانوا امتدادا لعصور قديمة موغلة في التاريخ .. ومن اسماء تلك السفن : الزاهر ، جراد ، تونس ، تناصور ، الطائف ، فتح الباري ، المروة ، الصفا ، نور البحر ، الديس ، الفضل ، المنصور ، حصن الفرج ، العلوي ، الجبر ، السهالة ، فتح السلام ، المبشر ، غويري ، زمزم ، السعيد ، الشاذلي .  واغلب هذه السفن ان لم يكن كلها من املاك ال بازرعة وال باشنفر . 
اما الخواجة انتوني بس ، المنافس القوي للحضارم في امتلاك وتسيير السفن الخشبية بعدن ، فقد قام بصناعة سفنه عبد الله بلال ، وقائد انعم العبسي وهما من المناطق الشمالية ، والأخير من اقوى المنافسين لفرج سالمين بن ربيد . 

        وللحديث بقية

مقالات الكاتب