سامي .. الرحيل الدامي ..!

سامي .. في الأفق المخضب بحرقة الوداع أرثي نورسك الذي مات في خلجانك ..أرثي ربيعك الذي غادر أخاديد وجدانك .. أرثيك كما لم أرث قلبا أعيته الصبابة و الجوى ..
سامي .. و كنت بين الأسامي ساميا .. لا تشبه أحد و لا أحد يشبهك .. كلمات الوداع لها طعم الحنظل .. فما أقسى أن ترسم جنازة بالكلمات .. و الأشد إيلاما أن تنعي صباحك بطيف يدمي العيون و يحرق القلوب ..
 سامي .. اشتد ساعده في الملاعب .. و من قوسه انطلقت سهام ملتهبة .. تغنت به الملاعب لاعبا .. و توجته ملكا في مجال الحذق التدريبي .. هو بين الأنام سامي .. يضع نفسه في ورطة ناجحة .. كلما أشرف المنتخب على الموت .. منحه سامي قبلة الحياة من روحه ومن شجاعته ومن فروسيته .. هو أبدا ليس كالملك الضليل .. لم يكن ناعيا أو ندابا .. يكفي أنه رحل بقلب مثقوب من الألم .. ألم عاصف تفنن ذوي القربى في تعميقه .. مات الرجل السامي بجيب فارغة .. مات و اتحاد الكرة قرصن مستحقاته و حقوقه و صرفها على الكابريهات في القاهرة و ليالي الأنس في فيينا و الدوحة و إسطنبول ..
 سامي .. كان الوطن روحه .. مرآة نرى فيها آخر طيف من وجناتنا الذابلة .. لم يبحث في ثناياه عن ملك أضاعه غيره بحماقة .. بقي ثابتا يؤكسج رئة وطنه .. تنازل عن عرش النعيم .. اختار العيش في جحيم وطن بقاياه تتصدع .. و كلما فتش الشعب اليمني عن فرحة في كومة أحزانه وجدها في أنفاس سامي نعاش ..
  سامي .. كان رمقنا الأخيرة .. مننا و سلوانا .. عاش أو نعاش .. الأمر في كلتا الحالتين سيان .. السياسيون يخربون الوطن .. و سامي يتحدى المحن .. هناك بين خفافيش الغربة من يهدي شعبه التعاسة .. و سامي وحده من يوزع علينا السعادة .. ما مر عام إلا و غيمة سامي تسقينا فرحا و تطعمنا أملا .. 
  تمطر سحابة اتحاد الكرة على بقاع قلوبنا أمطارا حمضية لا خير فيها لزرع أو ضرع .. و عندما يعتام الجفاف و يتعربد و يتبرج اتحاد الكرة تبرج نساء الجاهلية يأتي سامي بهدايا العيد قبل أوانه لينعش كرتنا .. و يصلح ما يفسده مجلس شؤون القبائل .. كيف يفعل ذلك ..؟
علم ذلك عند ربي .. لكنني أشهد أن فيه نخوة لا مثيل لها .. فيه رغبة جامحة مرعبة لازمته في السراء والضراء .. هو ليس حاويا .. لا يستنجد بجراب يا صابت يا خابت ..وليس بساحر يخرج الحلول من قبعته أشكالا و ألوانا .. هو فقط سامي .. طائره في عنقه .. يثق في نفسه و في سطوته و سمو مبادئه .. يأتيك بوجبة المساء في وقت يشتد الجوع والعطش و الحرمان على الكرة اليمنية ..
 سامي .. أرثيك يا صديقا مخلصا توارى ذكره بين الأنام..هل يكفيك بيان نعي خالد يضع على رف بكائية أبي البقاء الرندي ..؟
  كتب الرندي وداعية الأندلس بدمعه الهتون ملكا لم يحافظ عليه (ابن الأحمر) كالرجال .. فهل يكفيك يا سامي أن أكتب مرثيتك للتاريخ بدم تجلط من رهبة اللحظة و من عنفوان الحدث ..؟
  الذين يبكونك اليوم .. هم جماهير الكرة اليمنية الذين هتفوا لك في الليالي الحالكات السواد .. أما (زمرة) الواد سيد الشغال فيودعونك بحفنة من دموع التماسيح .. لقد تنفسوا برحيلك الصعداء .. ستتاح لهم فرصة التمثيل بوطن الثلاثة آلاف حضارة .. سيقيمون حفلا ماجنا لأحقادهم المذمومة .. و سيجعلون من منتخب النعاش مسرحية ضحكت من جهلها كل الأمم ..
  تحت مسلة الأشجان .. هناك ثمة ألحان .. لنستخرج منها لحنا أحييت به حفلة ساهرة في مرمى العملاق الراحل عادل إسماعيل .. يوم نحيت أبو بكر الماس جانبا ووضعت ركلتك الحرة المباشرة حلزونية مؤطرة معطرة في مرمى شمسان ..
  الآن أفتش في ذاكرتي الفوتوغرافية عن ألحان أخرى .. مرة صرخت في خضم نهائي كأس اليمن أمام أهلي صنعاء : اعطني الناي .. ثم غن كما يحلو لك .. أبرقت كرة في لفافة حلوى .. كرة منغمة .. حولها أبوبكر الماس إلى أغنية خالدة في مرمى السر بدوي ..
 سامي اللاعب ورث بعد ذلك مسيرة تدريبية مدهشة بحق .. كان مثل حبة البركة .. ما أن يستنجد به فريق حتى يضعه بين مصفوفات الأبطال .. أعطى التلال مجدا بعد أن جر السجاد من تحت أقدام أندية صنعاء .. عاد زمان وصل التلال مع سامي .. وفي الحديدة رسم سامي هلال العيد و نفخ فيه من روحه حتى شب عن الطوق وصار الهلال بدرا يضاجع القبة الزرقاء .. منح الاتحاد هوية جديدة .. هوية لاتينية أربكت حسابات العنيد .. كان الاتحاد في السفح لا يقوى على التنفس .. جاء سامي بروشتة سحرية معطرة بتجليات السطح .. وفي أقل من عام نقله نقلة شطرنجية من حال إلى حال .. استنجد به أهلي تعز .. فتأبط الجمل بما حمل .. قدم الواجب  وكانت مكافأته شكرا ..
 وفي كل مرة كان سامي يحقق نجاحا هنا وهناك يكسب الكثير من أعداء النجاح .. رفعوه ليكون ناخبا وطنيا ليس تقديرا لكفاءته .. ولكن رغبة في تعريته و سلب بطولاته و انتزاع كرامته .. و كلما خيب ظن مناوئيه .. كلما زادت مساحة الرغبة في النيل منه .. و ضعوه في أسوأ ظروف معتقدين أنه سيرفع الراية البيضاء و يرفض تلبية نداء الوطن .. زرعوا في طريقه المسامير .. فخخوا تحت قدميه الملاعب .. نقلوه إلى معسكرات لا تصلح لبني آدم .. وفي كل مرة كان الوطن هاجسه الأول .. و كلما باغتوه بأفعالهم القبيحة .. كلما تمخض جبلهم عن فأر زنيم .. و بقي سامي أستاذا بين الأسامي الوطن همه الأول و الأخير ..
  طوال تراكمية تصل إلى عشر سنوات لم يتقاض سامي من اتحاد الكرة فلسا واحدا .. كانوا يقولون له : أنت ابن البلد عليك أن تضحي بزينة الحياة الدنيا .. يحدث هذا العقوق و الإذلال في زمن قرصنة المشاعر الوطنية .. و في زمن الاختلاسات التي دفعت أحدهم للهروب بأكثر من ثلاثين ألف دولارا عدا و نقدا .. ثم تحول إلى بطل قومي بقدرة (غادر) ..
  مرة باح لي بمعاناته كصديق .. ثم ترجاني قائلا : لا تكتب لأن هناك من يتربص بي و يتصيد زلة من لساني ليوقعوا بيني وبين رئيس الاتحاد ..
  احترمت مشاعره و أكبرت فيه هذا العمل الوطني المجاني .. لكنني طالبته بأن يدافع عن حقوقه خصوصا و أن خزانة الاتحاد عامرة على الأقل بفلوس (الفيفا) السنوية، لم أشأ وقتها إخباره أن حجم المؤامرات ضده تتم بضوء أخضر من الرجل الكبير الذي علمهم السحر .. علقت بكلمتين اثنين : ربنا يعينك ..
 مثلك يا سامي يستحق مدينة تعلق على شغاف قلوبنا .. مثلك يستحق أن نشيد له من دموعنا محاجرا و من آهاتنا حناجرا ..
 خاض سامي رحلاته المكوكية مع المنتخبات الوطنية بروح البطل .. كان دائما محاصرا بعسس من المتربصين يتمنون له الفشل .. كانوا يترصدونه يتلصصون على مفكرته .. سكاكينهم الحادة و خناجرهم المسمومة تنتظر أول عثرة و أول سقوط .. كان سامي يعلم تماما أن الذين ينافقونه يتنفسون كذبا .. كان يعرف أنهم في النهار معه وفي جلسات آخر الليل ضده .. أبدا لم يقم وزنا لمؤامرات تحاك ضده .. تعامل مع المتربصين بدم بارد .. لم يكن يعنيه أنه قطع دابر العمولات عن المسترزقين من صفقات خواجات العيون الزرقاء .. كان دائما يضع وطنه أولوية قصوى على حساب راحته و أسرته و نعيم غربته .. نجاحاته أشعلت نار الغيرة في قلوب الحاقدين .. وكلما جعجعوا و رسموا سيناريو للإطاحة به .. ماتوا بغيظهم.. لأن سامي نعاش يمر دائما على شفرات سيوف التحدي و يأتي المنية من بابها .. كان دائما يقول : أحلامي مع المنتخبات الوطنية هي كفني ..
  تعشعش الملمات على رأس اتحاد الكرة الذي يدعي الوطنية من فنادق (فايف ستار) .. ويترك لسامي فرصة تبييض وجهه أمام الجماهير اليمنية ..  ليس لرجال الاتحاد في منفاهم  سوى سامي نعاش يمكيج وجوههم الفسفورية القبيحة .. يرمونه في نار الوطن المتشظي الذي يدفع شعبه ثمن اللعبة السياسية الدامية .. فلا يهرب من واجبه أو يخشى على حياته .. لقد اختار هذه المرة أن يلعب مع الموت في فضاء واحد .. خاض سامي نعاش مباراته الأخيرة في ملعب وطنه .. عاد ليطبب جراحا غائرة .. بالنسبة لرجل شجاع مثله كان وحل الوطن أحلى مليون مرة من عسل فنادق و فلل الغربة .. جاء إلى عدن ليلمم فرائصنا المرتعدة .. جاء و في معطفه الكثير من وصايا وطن النهار .. أرسلوه الى منبع الوباء .. لعب مع مناوئيه مباراة مكشوفة .. كان كمن يحارب أشباحا لا ظل لها .. عندما خيروه العيش الرغيد بين دفاتر الغربة و مغرياتها أو الموت على صدر وطنه .. لم يتردد في منح وطنه نبضه الأخير .. احتلت كورونا صدره .. انشأت مستعمرة في رئتيه .. كان يدرك أن نجمه يأفل .. وأن الوداع يطرق بابه .. لم يشأ أن يموت دون أن يسخر للمرة الأخيرة من مناوئيه في اتحاد الكرة :
 سأرحل .. وسأترك لكم مستحقاتي تسيحون و تلهون بها في مغريات هذه الدنيا الفانية..
  حتما سيتذكرون في خضم غربلة مصالحهم هذه الحقيقة :
  في كل مرة يأتون بخواجة لتدريب المنتخب .. تجارتهم رائجة مع عمولات (زائد ناقص) .. وعندما يترنحون و تهتز كروشهم قبل كراسيهم .. يسارعون إلى ضفة سامي نعاش : تعال أيها الأدميرال العدني انقذ سفينة المنتخب من طوفان الخواجات .. يلبي النداء و يباعد بين المقصلة و رأس الاتحاد .. لكن سامي نعاش يكافئ بجزاء سنمار .. لا حقوق .. لا راتب .. لا مزايا .. فقط مجرد (استيبني) ببلاش جاهز لكل حالات الطوارئ .. الذي هزم اليابان و أربك حسابات كمبيوترها لم يكرم .. و الذي هز عرش الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بقي محنطا في (المشمش) .. و الذي نسف البحث العلمي في أكاديمية إسباير لم يظفر بشيء من الغنيمة ..و الذي رفع أسهم الكرة اليمنية و أصبح عقدة للخواجات خرج من المولد بلا حمص .. تلك قسمة ضيزى اتحاد الكرة مع سامي نعاش .. حياة حافلة بالكر و الفر و الإقبال و الإدبار .. حياة فيها الكثير من الخداع و القهر  و المكر.. عاش سامي تفاصيلها بوجع و ألم و صمت القبور .. سامي وهب وطنه كل شيء و رحل بقلب مثقوب من الألم .. فماذا قدم المرجفون للكرة اليمنية سوى المزيد من المرمطة و الضحك على الذقون..؟
  ستمر الأيام .. ستدور الدنيا و تسير .. ولن ترى الكرة اليمنية بعدك فجرا جديدا .. مدمنو الفشل سيعاودون الكرة .. سيتاجرون بأحلامنا .. ستعود أسطوانة الخواجات .. و ستزدهر تجارة العمولات .. سيتمدد الفاشلون على صدر الكرة اليمنية بلا منقذ .. سيبولون و يتغوطون على أحلامنا ..وفي الليلة الظلماء سنفتقد بدر النعاش .. ستعيش يا سامي في وجدان وعقول أجيال الوطن زمنا و دهرا .. ستبقى أحلى ذكرى لكرة يمنية خرب التجار لياليها .. فرضوا عليها الوصاية ثم باعوها بعد رحيلك في أسوأ مزاد ..
  ستبقى يا سامي خير الأسامي ..في خلجات النفس شامخا .. في حدقات العيون راهبا .. في قلوبنا نابضا .. و في عقولنا حاضرا ..و في بنات أفكارنا ساطعا .. وفي نياط قلوبنا حيا خالدا ..
  رحل سامي نعاش في ليلة ليلا .. تاركا جسد اتحاد الكرة عاريا (يا مولاي كما خلقتني)، فمن بعدك يا سامي سيستر عورة هذا الاتحاد الذي تستحي منه الشتيمة ..؟

مقالات الكاتب

خلي بالك من لغاليغك..!

 تسجيل صوتي صادم لرئيس فرع اتحاد كرة القدم بصنعاء راجح القدمي يدمي القلوب الرقيقة و يوجع الأفئد...

ارحلوا فورا ..!

 يمكن لاتحاد الكرة تقديم مائة مبرر لخسارة المنتخب الوطني اليمني أمام السعودية و أوزبكستان و حتى...

سامي السعيدي.. شكرا

يكاد الحديث عن الرياضة كنشاط مجتمعي يتبخر أو يتسامى في (الجنوب) أمام البلاء الذي يعصف بالرياضيين تحد...