هل هزمت طالبان أمريكا أم أن أمرا دبر بليل ؟

ما يجري في أفغانستان فتح شهية المحللين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجعل البعض يتوقف عند مشهد إنزال اللافتات الخاصة بالشيعة واعتبر ذلك مكسبا لا يضاهيه مكسبا آخر ، بينما البعض الآخر وقع في فخ الخديعة وتوقف عند دعوة طالبان للمجتمع الأفغاني  للشراكة ، واعتقد أن طالبان عادت بنسخة جديدة وعقلية مغايرة ، واستند في ذلك على تأكيدها في حق المرأة ، لكن كل أولئك لم يتوقفوا عند إعلان الجماعة نيتها تأسيس إمارة إسلامية ، وطالما هناك إمارة وأمير ، فإن الشراكة تعني أن الآخرين يجب أن يعملوا تحت مظلة الأمير ، أو الولي الفقيه .

ما سبق ليس المهم ، إنما الأهم ، هل فعلا أمريكا هزمت بعد 20 عاما من غزوها لأفغانستان ؟ وبمعنى آخر ، هل كانت طالبان أقوى من أمريكا ومن حلف الناتو الذي يعد أقوى قوة في العالم ؟

خاضت أمريكا أطول حرب في التاريخ الحديث وخسرت 2400 جندي أمريكي قتلوا هناك ، وأضعاف مضاعفة لهذا الرقم من الجرحى ،وأنفقت ما مقداره 750 مليار دولار ، وبنت قواعد عسكرية بقيمة مليار دولار ، فهل يعقل أن تقامر أمريكا بعظمتها وهيبتها وهيبة الناتو وترحل وتترك الفرصة للصين والروس ؟

إذا كان الأمر هزيمة ، فمعنى ذلك أن الهزيمة ستلاحقها حتى تتفكك ولاياتها وسيخرج الاتحاد الأوروبي عن طوعها ، لكن هذا الأمر غير وارد لأن طالبان أعلنت في بيانها بأنها لن تسمح باستخدام أفغانستان كمنطلق للأعمال الإرهابية التي قد تهدد الغرب ، بمعنى أن هناك اتفاق سري بين طالبان وأمريكا .

هذا الاتفاق السري ستكشفه الأيام ولا شك أن عند طالبان الخبر اليقين ، لكننا أيضا نستطيع قراءة ما بين السطور من خلال التقارير الإعلامية التي تذهب إلى أن هناك معادن في أفغانستان نادرة ، وهذه المعادن موجودة في الصين وهي التي سمحت للصين إذلال الصناعات الأمريكية ، باختصار كل ما يصنع الجيوش العظمى والطاقة النظيفة تحت رحمة الخصم اللدود لأمريكا وهو الصين والحل في أفغانستان التي يوجد في صخورها ما سيقلب موازين العالم ، وأن هذه المعادن الذهب أمامها مجرد تراب .

تقول التقارير إن الاتحاد السوفيتي حارب أفغانستان من أجلها بعد أن كشفوا عن هذه العناصر النادرة والتي تقيم في ذلك الوقت بترليون دولار ، فجهزوا البنية التحتية والطاقة وقبل البدء في حصاد الغنائم انسحب السوفيت بشكل مفاجئ ، وفي عام 1989 ، أخفى عناصر في الحكومة الأفغانية الوثائق السرية السوفيتية وفي عام 2002 كانت هذه الوثائق هي الغنيمة التي يريدونها الأمريكيون قبل أي شيء وحصلوا عليها ووسعوا عمليات المسح بالتقنيات الحديثة وقدروا غنيمتهم بثلاثة تريليون دولار .

بعد كل هذا وبعد بناء القواعد مع حلفائهم البريطانيين ، فجأة تقرر الإدارة الأمريكية الجديدة الانسحاب ، وفجأة تملأ طالبان الفراغ وبدون مقدمات ، فهل تركت أمريكا كل تلك الثروة ، أم أن اتفاقا دبر بليل مع طالبان ، تضمن الحركة اعترافا أمريكيا بحكمها مقابل تأمين المناجم والاستحواذ عليها ، وبذلك تكون قطعت الطريق على خصميها الصين والروس ؟

ما يؤكد ذلك أن الروس يستعدون للاعتراف بطالبان مع علمنا بحساسية الروس تجاه ما تسمونه الإرهاب ، وهذا يجعلنا نتوقف أمام الاتفاقات التي أبرمها الروس مع الحكومات الأفغانية المتعاقبة لاستخراج النحاس والحديد ظاهريا ، وبالتالي سيتأكد الروس من مدى تعاون طالبان معهم في إنفاذ الاتفاقات السابقة لكي يعترفون بها .

العالم ما بين مصدق ومكذب ، ما كان لأمريكا أن تنهزم بهذا الشكل بعد عشرين عاما ، ما كان لها أن تنسحب وتترك كل هذه الكنوز التي لا توجد بهذا الكم في أي مكان آخر من الأرض إلا إذا كانت قد ضمنت بقاء مصالحها دون أي مساس بها ، وتبقى قصة طالبان مع كابول مثل قصة الحوثي وصنعاء وداعش والموصل ، كل هذه الجماعات متحالفة مع الصهيونية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أمن إسرائيل جزءا من أمنها ، ويبقى الخبر اليقين عند طالبان وداعش والحوثي .

مقالات الكاتب