آل جابر يودع السفراء في الرياض وإيرلو يفتتح مشاريع في صنعاء

من المفارقات غير المنطقية أن يكون سفير المملكة العربية السعودية الذي شكلت بلاده تحالفا يهدف إلى إسقاط انقلاب الحوثي المدعوم من إيران وإعادة الشرعية إلى صنعاء متواجدا في الرياض ، ويكون السفير الإيراني الذي جاءات السعودية لمنازلة بلاده في صنعاء ، والأكثر مخالفة للمنطق أن يقوم السفير السعودي باستقبال وتوديع سفراء الدول الأخرى لدى اليمن وكأنه رئيس الجمهورية ، وأن يقوم السفير الإيراني بافتتاح مشاريع في صنعاء وكأنه رئيس جمهورية أيضا .

من يتابع محمد آل جابر يجده يتمتع بصلاحية الرئيس ، فصلاحيته هي كل صلاحية المحتل وصلاحيات الرئيس ورئيس الحكومة ومجلس النواب ، بالإضافة إلى مايراه مناسبا ، فنحن أمام دولة تم تفكيكها ونقلت صلاحية الرئيس والحكومة إلى محمد آل جابر الذي حرص على تأسيس شرعية ضعيفة منقسمة على نفسها ، توحشت فيها الصراعات المناطقية واستأثرت بالجانب السياسي والاقتصادي نخب حاكمة فاسدة وقرارها خارج اليمن .

لقد سعت إيران بشكل مباشر والسعودية بشكل غير مباشر إلى إنهاك اليمنيين وجعلهم يتصارعون فيما بينهم ويتهم كل طرف الآخر بالعمالة لتلك الجهة أو غيرها واستنزفت ثروات اليمن ودم الآلاف من أبنائه في هذه الحرب تمهيدا في مجملها لتمزيق الدولة والشعب اليمني وهذا هو جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إليه أمريكا وإسرائيل وينفذه الحوثي نيابة عن إيران وأدوات السعودية والإمارات .

حرص آل جابر على أن يجعل الفوضى تسيطر على أعمال الحكومة ، فضلا عن إفقارها عن الكوادر المؤهلة أو أي توجه استراتيجي ، بهدف الإبقاء على الأزمات الحياتية والخدمية دون حل وتركها تتفاقم ونزع الإرادة من اليمنيين .

ليس لدى آل جابر أي خبرة ، فخبرته معدومة بالشأن اليمني وأجزم بأن خبرته لم تكن هي الهدف في اختياره لمهمته في اليمن ، وإنما خبرته الأخرى كانت هي المطلوبة ، وتاريخ الرجل يقول إنه خبير في الربح وصنع المال وفي تفكيك المؤسسات ، فهو ينفق معظم وقته لا في المجادلات السياسية مع سياسيين يمنيبن من أجل البحث في تطور المستقبل السياسي لليمن ، وإنما في مناقصات وهمية لإعادة الإعمار ، إنه رجل يتجه إلى هدفه ، لذلك لا يهمه أن تعود الحكومة إلى الداخل أو تعود الكهرباء إلى عدن أو أن يستقر الريال أو أن يتوفر الأمن .

والسؤال الذي يطرح نفسه : متى ستخرج الشرعية من كفن المشروع السعودي الذي لبسته،  كي تتمكن من مواجهة المشروع الإيراني ، فقد أنهت السعودية اتفاق الرياض إلى عملية سياسية هشة بلا حلم دولة ليمن واحد وطن للجميع .

هكذا أنفذ آل جابر مشروع بلاده لمحو شخصية المجتمع المدني اليمني بمحاكاة برامج الحروب الناعمة وبأيدي ومشاركة آمراء الأحزاب السياسية من قوميين وأمميين وإسلاميين ومؤتمريين الذين انغمست أفعالهم بالدم اليمني بدون هدف ، فقد نجحت السعودية في مجاراة إيران بإبقاء اليمن منطقة هشة رخوة بلا هوية .

هناك مخاض ميلاد جديد سيجرف المشروع الإيراني والسعودي ، لكنه سيكون عسيرا وتكاليفه الإنسانية باهضة بقدر المصالح التي ترسخت على الأرض وحجم التدخلات الإقليمية والدولية التي تتحكم بمعادلات الحكم الحالي ، فحتى هذه اللحظة مازالت إيران هي المستفيد الأول من التدمير المنهجي لليمن ومقدراتها ، فالسعودية كل ما فعلته في اليمن أنها أنهكت الشرعية وأضعفتها وأفقرتها وأسلمت قرارها لغيرها وأرجعتها من مشارف صنعاء إلى قلب مأرب .

عادل الشجاع

مقالات الكاتب