لا انتظار بعد اليوم يا عزيزتي
أتتني البارحة رسالة من صديقة كاتبة كلمات أغاني وملحنة. كنت قد قرأت لها سابقا بعضا من قصائدها وسمعت ل...
كتب لي أحدهم يقول : حدثينا عن الحب.. أريد أن أقرأ لك عنه.
لا أدري لماذا خطرت في ذهني أمور بعيدة. فهي ليست الأجوبة التي المفروض أن تكون. كتلك التي قالها نزار قباني أو محمود درويش أو أحد شعراء العصر القديم.
وجدتني أتذكر بضعة مشاهد من يومياتي في ألمانيا.
ذات مرة بينما كنت في المحطة أنتظر وصول القطار دنا من شاب مغربي، قوي البنية طويل القامة واثق من نفسه، وسألني عن شيء ما، فعرف كل منا أنّ الآخر من المغرب. وبعد ذلك بفترة رآني في مركز التسوق فلحق بي يريد أن يكلمني. كنت مسرعة كالعادة إلى أن استوقفني في منتصف الشارع وقال :أريد أن أقابلك على انفراد، أنا غرضي الحلال.. فلا تقلقي مني.
رفضت الخوض في الموضوع وانصرفت. فهذه المشاهد تعودنا عليها نحن بنات المهجر.
أنا لم أقلق منه، لكن كلمة أريد الحلال ازعجتني كثيرا. شعرت باحتقار لإنسانيتي. ربما لأني دقيقة جدا جدا في ما أشعر به.
ودرجة الشعور شيء يولد فينا وهي بنسب. فوجدتني أتساءل كيف يفكر المرء دون تفكير؟؟!. أين أنا؟. أريد الحلال وإن كانت حسنة القول إلاّ أنها بائسة، لأنه بلا قنطرة، والقنطرة هي المسالك إليك وإليك هي أنت وأنت تسأل أين أنا؟
تماما كالذي يسمع أن محمد عرجون لديه ابنة، فيأتي من غياهب هذا لعالم بالنسبة لي ويقول له أريد ابنتك لإبني أو أريدها لأخي. يا لها من ثقة في النفس حين تأتي إحداهن حين أكون في المغرب وهي لا تعرف أني في ألمانيا فتقول بفخر أكل الدهر عليه وشرب "أنا إبني في بلجيكا يا بنت".
أقول في نفسي، تماما كالذي قال "لا تدعي عزيمته لك للماكدونالد تغريك هذا فقط طعم". (آش هاد جوع يالطيف ومع من أنا ياقلبي). إمتياز مع مرتبة شرف أنك "معزة أو لأكون ألطف مع نفسي كقطعة أثاث".
أما عن ذكريات ألمانيا، كالشاب الأمريكي الذي كان يدرس معي، حين قال لي : مارأيك أن تأتي نقضي ليلة معا. سوف يكون الأمر ممتعا.
كنت في الثامنة عشرة وقتها، وهو أيضا. فما كان مني إلا أن نظرت إليه ببراءتي المعتادة وقلت : هل أنت مجنون، كيف تتجرأ؟ نحن مسلمون وما قلته كارثة.
فأشار إلي بيده أن لا تغضبي، أنا لم أقصد الإساءة، أنت تعجبينني فقط. نظرت إليه وشعرت كم هو بائس، طبعا يجول في ذهني دوما كلام والدي في مثل هذه المواقف المتعلقة بقيم الأخلاق الثابتة "هاذو لا دين لا ملة"، وطبعا كعادتي أخبرت أمي بروح فكاهية عن ماقيل وكان، من منطلق "شوفي الهنا إلي أنا فيه ياما". فمثلا أحدهم قال "تعجبينني وأريد أن أستمتع بجمالك فما رأيك؟". طبعا رأيي يكون ظاهر على وجهي بملامح تقول "وجهك ولا مسلفوا".
لتصيح والدتي مع كل موقف "العايلا؟؟ مصيبة هاد شي.. لا حيا لا تحاشم..هي نجيبكم تعيشوا في المغرب وصافي". ضحكت وقلت لها : "جواب فاشل ووسعي الخاطر بزاف. أما العلاقات العابرة فهي لا علاقة لها ببلد. الفرق أن الأمريكي كان بريئا لأنه نمط حياة عندهم، بينما المسلم يعلم أنه يلعب بالشرف ويستدرج خارج الأخلاقيات والثوابت العامة. اللهم إن كان عقلية TV5".
الممتع يومها أني كنت أدندن في المطبخ معها أغنية "ما أنا إلا بشر ، عندي قلب ونظر". لتسألني وهي تقص المعدنوس "ماذا يريد المغني من ترديد من هذا الكلام؟" أجيب "أنه تعرض في صميم قلبه لمشاعر قوية وعلى ما يبدو أن العلاقة مستحيلة".
تخبرني الوالدة بمزاج عالي وهي تشير إلي بالسكين وتنظر في وسط عيني"لا بل لأنه ذئب".
طبعا التكوين الفكري لأمي عن الحب والمشاعر يتلخص في الصدق وقلة الكلام والمطبخ العامر بالخيرات. وهذا صحيح من جهة. لكن شاءت الأقدار أن يكون من نصيبها بنت بعقل فيلسوف وروح الباحث وقلب صوفي. لذلك مسكين يا عبد الوهاب الدكالي "واللي عشق الجمال، التيه والدلال إذا مات يموت حلال..مسكين.. شهيد". (حشومة عليك ياييما تقولي عليه ذيب. راه إذا مات هو اللي حيا. وأنا عشقي الحي).
أذكر حوارا عميق عن أغنية "أنا ماشي ساهل" ونحن في السيارة معا حيث كانت تذاع في الراديو أيام صدورها باستمرار، فقالت امي بعدما استفزتها جملة "قالت لي الوالدة ما تربي كبدة ماشي أي وحدة أنا ماشي ساهل". فقالت وعينها على المارة وهي تحرك رأسها " ييييه ماشي ساهل.. ماتربي كبدة هي زوج طلاق زواج طلاق وعمار المحاكم..وشرد العيال.. وصرد للديوانا..نصيحة ماشي هي هاديك أولدي". أجابت بتأمل وانا أقول " المفروض هو يغني عن الشعور الإيجابي وإن خانه التعبير " ما تربي كبدة هنا، هي أن يكون دقيق الإختيار وإلاّ سوف يكون ما قلته أنت، زوج طلاق.. زوج طلاق..".
لطيفة هي أمي.. أو كما أقول لها دوما "الحاجة الفيلسوفة والزين المسرار". هي مثلي تحلل كل شيء، الفرق أنه بمفهومها الإجتماعي وأنا بالمفهوم العاطفي، ولكل نصيبه من الصواب.
عودة لذكريات ألمانيا؛ في احدى المرات كنت في طريق العودة من العمل إلى الدار. وكان دائما موعد عودتي العاشرة والحادية عشر ليلا، وقد صادف أنه أيضا كان توقيت عودة زميل دراسة قديم. فكنا نتشارك الحديث أحيانا والطريق من موقف الحافلات إلى مفترق الطرق أحيانا أخرى. وفي أحد المرات وبينما نحن نتحدث، وجدته فجأة يتوقف يحاول أن يقترب مني يريد تقبيلي. طبعا ارتعبت، لا لشيء فأضواء الشوارع موجودة وهناك مارة، لكن على أي أساس وطبعا بصوت عادل إمام "الناس تقول عليا إيه...؟" وبصوت والدي "هادي فوضى كبيرة". المهم صرخت وأنا أدفعه أقول "ابتعد". ليقول "ما بك، لم أقصد السوء". فأجبته ومن سمح لك ومن أنت؟؟!"، فقال: أنا أحبك. أجبته: "أنت لا تعرفني ولا تكلمني مجددا".
شعرت بالخذلان حينها. لماذا الرجال لا يدركون حجم الثقة أو التجرد. لا أريد أن أغير الطبيعة، فكما يقال إنها مشاعر إنسانية ولا عيب فيها. لكن أين هي القنطرة. فهنا أيضا طبيعة. هنا قلب وعقل وكيان، والمفروض أن لا يكون هناك إقدام إلاّ إن كان هناك تلميح أو موافقة.
ليتني ألتقي بكل إمرأة هربت من زواج الغصب في الزمن الغابر. أولئك الشجاعات اللائي رفضن الرضوخ للقهر وتحملن أقاويل الطعن في الشرف، وحتى لو أخطأن. الأصل أنه لا هروب بدون وجود قهر وأنا أعلم جيدا أن القهر تبعهن الى حيث ذهبن لأن الضعيف لا يحبه أحد، ولأن البنت في مجتمعنا تتعرض للاستغلال إذا كانت لاحول لها ولا قوة.
وعلى ذكر المغلوبة. لقد عرض علي بضع مرات منصب الزوجة ثانية ولا فخر. وأسميه منصب لأن الذي يأتي بالإقتراح يشعر أنه قدم لك خدمة جليلة بينما أنا كنت أطعن وأشعر بالإهانة. أجملهم ذاك الذي قال بثقة ونشوة "سوف ترافقينني دوما في ناحية الشمال، حيث وجد قلبي".
طبعا أنا لا أصمت وبذهول بريء أجيب "وجهك صحيح أسي. على أساس أنا غارقة في ديون فواتير الماء الكهرباء وأبحث عن مخلص".
لكن بعيدا عن صدمة قلبي الصغير. فكرت وقلت لماذا المجتمع يرى دوما أن الزوجة الثانية هي المجرمة وخاطفة الرجال، بينما الأصح هو من يسعى إليها أو لنقل لولا وجود سيدة مقصرة أو زواج فاشل لما كان هناك مجال من أن تخترقه سيدة أخرى. الزوجة الأولى تزوجت عن فرح وعن استقرار وعن شعور أن كل شيء ملكها. بينما الثانية هي فقط محاولة إيجاد مكان وطبعا غالبا هذه التركيبات هي تركيبات اجتماعية، أعني لن نذهب بعيدا في الحب والمشاعر، فهي مصالح توافقت وانتهى الأمر. الزوجة الثانية قصة حزينة صراحة، وقد كان النبي واضحا حين قال لعلي حين أراد الزواج فيما معناه "لا تؤذِ قلب فاطمة" والقرآن واضح، الأصل "فواحدة تكفي" لكن عودة للموضوع.
يسأل سائل " إذن ماهو التعامل الصحيح مع شخصية المرأة".
بالمختصر المفيد، ليس كل إمرأة إمرأة. وأنا لو كان الأمر بيدي لطالبت بحقوق الرجل وتوعيته هو لتستقيم أمور النساء. فانعدام خبرته وقلة لباقته وسوء سلوكياته أحيانا، هي أصل المشكلة. والمرأة بقليل من اللطف والفهم تنال منها الأفضل.
لكن ما يحدث هو عملية قتل الطبيعة وقلب الموازين من كثرة ما أوهموا هذا المخلوق اللطيف والجميل أنها تعيش بدون حقوق. وأنها "مقلوبة عليها القفة لأنها ترعى بيتها ولأنها أم ولأنها ولأنها".
أما المرأة ككلمة في تعريفي، فهي باختصار "الشخصية القوية". ولولا أنها كذلك لما اختارها الله لتكون هي من تنوب عنه في عملية لا يقوم بها إلاّ هو سبحانه "خلق الإنسان". والقوة هنا هي الإحترام والبذل. القوي يذهب دوما إلى نقاط ضعفك وينميها بل ويجعلها بضعفها قوة وهذا لب الإحترام. و أيضا هو لا يحمل داخله عقد نقص أو جنون عظمة، وكما قال أحد المفكرين السياسين الروس "من العظماء من يشعر المرء في حضرتهم بأنه صغير، ولكن العظيم بحقّ، هو الذي يشعر الجميع في حضرته بأنّهم عظماء".
أما ماهو الحب. فهو بكل اختصار "علامات استفهام وبذلة محامي ".
كيف حالك؟ ماذا تحبين؟ ماذا صنعتِ اليوم؟ أو كما غنى المرحوم الشاب عقيل بكلمات السهل الممتنع "سألولي عليها وجيبولي اخبارها إدا راها مغبونة ولا مهنية؟" أو بتلقائية عمرو دياب "وهي عاملا إيه دلوقت؟". (وياريت اللي يقرأ كلامي ما يستعبطش ويحمقلي راسي في بريد الخاص.أنا بخير ومش عاوزا تلاكيك. قرا باش تفهم).
أما بذلة المحامي، يلخصها قول النبي ع. ص. "لا تؤذوني في عائشة". هي حماية ودفاع بدرجة أنها تصيبك أنت. باللغة السهلة "هي مواقف".
باختصار أيها السادة الكرام هو اهتمام، شرط أن يكون متبادلا ليتحقق طعم الحب الحقيقي.
الله يرزقكم كلكم رضى الله والنبي ومن تحبون
(من الدار المفكر والشاعر المغربي محمد كنوف، والذي لقبه محمد شكري بجوبا الشعر، فهو المهووس)