سقطوا ولم يسقط !

وقف القائد الشهيد جارلله عمر منتصب الموقف والخيارات والتاريخ طوال حياته رغم موروث الاستبداد وتركة الإقصاء والصراعات والحروب والانقلابات ولغة العنف والسجون والاغتيالات ومصادرة حرية الرأي والتعبير.

 وحاول مع رفاقه في قيادة الحزب معالجة عثرات الأنظمة وخطايا الحكام بعلاج جراحات الحروب والصراعات على أساس تغليب بناء الدولة الوطنية العادلة وعلى قاعدة توطيد أعمدة بناء الديمقراطية الناشئة بمجتمعنا وتطوير المشاركة الشعبية من خلال شراكة السلطة والثروة والحفاظ على سيادة البلد واستقلاله وتعميم ثقافة أحترام روابط العيش المشترك والمواطنة المتساوية وإشاعة ثقافة التصالح والتسامح ونشر مبادئ العدالة الانتقالية وإجراء المــصالحة التــاريخية بيـــن اليمنيين ورفض سياسات الإقصاء والتمييز والعنف والحروب والصراعات والأرهاب في الحياة السياسية تحت أي مـــبـرر .


وتقدم الشهيد جارلله الصفوف بفكرة المبدع والخــلاق  فهندس ونظم صفوف المعارضة ووضع خارطة طريق ببرنامج الضرورات الوطنية المشتركة بهدف خلق وإحداث توازن بين السلطة والمعارضة وفتح نافذة أمل في جدار نظام شاخت كل أساليب حكمه وأعاق تطور روح الديمقراطية والحوار بفعل فيروس الاستبداد والإقصاء السياسي والفساد الكامن داخل منـظومة الـحكم المـثقل بـنوازع شـجع تمـلك السـلطة المطلقة والثروة بأي وسيلة .

وقف الشهيد منتصبا وصادقا كعاداته في قـول الحـقيقة وأن كانت مـرة وحـالكة بـظلام الـنفق المظلم الـذي يعـيشه شـعبنا فأطل من على منبر مـؤتمر حـزب الاصلاح مـخاطبا ومـكاشـفا الجميع من مـوقف الحـرص والواجـب مـحذرا من أن سفينة الـوطن سـوف تـغرق بالجـميع وكان يـقدم خلاصة الـوضع المـثقل بالأزمات وخـطايا الانسداد السياسي وتـراكم صعـوبة الـوضع الاقتصادي والمعيشي ومـخاطر التدخلات الخـارجـية المـاثلة للأعيان مؤكدا أن بلادنا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من فظائع الأزمات والـتوترات المـنفلتة والعبث الغـير مسؤول واللامـبالاة في سد طرق الحوار والحلول .

 وها نحن اليوم نصل أو بالأصح قد وصلنا إلى النفق المظلم والحروب والصراعات والتشظي ومخاطر التدخلات الخارجية الذي حذر منها الشهيد قبل 18عامآ.

لم يكـن يعتقد حينها أنه ضيفا ثقيلا على مشايخ الـصف الأول الـذين حتى لم يستـوعبوا حجز مـقعدا لـه بـجانبهم باعتباره كـبير ضـيوف المؤتمر ونائب الأمين العام  للحزب الاشتراكي اليمني الشريك الأساسي لحـزب الاصـلاح باللـقاء الـمشترك ، وكأن الـذي أخـتار مكانه بالقرب من الأرهابي  علي السعواني يعد  شريكا خـفيا في الـمـؤامرة الدنـيـئة من خلال تحـديد مــكان وســاحة جـريمة الاغـتيال بشكل مخطط ومدروس ؛  وفضّلوا من باب الحذر والحيطة علي حياتهم  أن لا يـكون قريـبا من مشـايخ وكهنة مـعبد الفـتاوي والتكفير الذين سعوا قبل حادثة الاغتيال إلى المتابعة و ممارسة الضغط في سبيل الإفراج عن الارهابي السعواني كما قدموا لقادة الأمن السياسي   ضـمانات  من أجل خروجه مـن السـجن ؛  وعند خروجه صرح الإرهابي -بحـسب إفـادته - أمـام رئيس جـهاز الأمـن السيـاسي حينها العميد غالب القمش ونائبيه العقيد محمد الصرمي والعقيد عبدالله محرم  أنه سوف يقتل القائد جارلله عمر وبعض قادة الفكر والمعارضة.

 لم يكن يفكر القائد المثقف المبدع والسياسي النابه جارلله عمر أن ثـمة كـمائن غـادرة تنـتـظـره بساحة مـؤتـمر حــزب الاصـــلاح بالأغتيال السياسي والاغتيال الإرهابي ويلتقيان بوضح النهار بمعطف الأهداف المتعددة الأغراض والحسابات الغير وطنية   المستهدفه حياة جارلله عمر وتغييبه جسدا وفـكرا وأمام رجال الـدولـة وكبار الـضيـوف ومـشايخ الـحـزب والـقبـيلة وبـعـض القيادات العسكرية والأمنية وأمام أربعة ألف مندوب من كل مناطق الوطن.


 إن عملية اغتيال جارالله عمر تعد بحق أقبح عقلية للفتنة والمؤامرة القذرة التي هَدفت  إلى إشعال الحـرائق في الوطن وفي أوساط اليـمنيـين بأي وسيلة كانت ؛ حتى وأن كان من خلال تغيبب هذا الـقائد السياسي والمـفـكر والجامع المشترك والجذر التربيعي لثقافة الدولة الموحدة والديمقراطية والمصالحة التاريخية والسلام والتنمية ؛ حتى ولو  كان ثمن سقوطه يمثل سقوط قيم الدولة والنظام والقانون وامتهانا لكرامة وشرف وأعراف وعادات وتقاليد وأخلاق اليمنيين ؛ اغتالوه كما اغتالوا الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي في جريمة وفضيحة تاريخية مشهودة ؛ عكست كلتا الجريمتين فكرة وقرار الروح الشريرة للعيب الأسود الملطخ بالدم والموت وفقدان الإخلاق الإنسانية الرفيعة.

  سقط الرفيق الشهيد جارلله عمر بجسده النحيف مظرجا بدمه الطاهر في ساحة كمائن الغدر وفتاوي التفكير والتطرف والإرهاب والفساد السياسي ولكن لم يستطعوا ولن يستطيعوا أن يسقطوا أو يغيبوا فكره السياسي الاستراتيجي المستنير الحامل لقضايا الشعب اليمني وتطلعاته العادلة نحو حياة ديمقراطية ومستقبل حُر وسعيد .

سقطوا بالخطايا وكيد المؤمرات والاغتيالات والفتن واسقطوا معهم قيم الدولة وتصرفوا كعصابات قتل وانحرفوا عن قيم الإسلام الفاضلة والمتسامحة وشرف مبدأ العيش المشترك في ساحة تصفية الخصوم بأدوات الإرهاب المصنع سلطويا وتكفيريا ولم يسقط فكر جارلله عمر ولا فكر الحزب الاشتراكي اليمني لأنه خبز يومي وبرنامج سياسي للتطور والتنمية والسلام وفكر الدولة الوطنية العادلة والمواطنة المتساوية والديمقراطية والسيادة والحرية والعدالة.

قتل الشهيد القائد جارلله عمر وهو يقيم الصلاة بمحراب الواجب الوطني بصناعة وهندسة المواقف وتحديد الخطوط العريضة لجوهر البرنامج السياسي وتنظيم الصفوف لقوى تحالف المعارضة السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

قَتَلت الرفيق جارلله عمر مراكز النفوذ والسلطة والثروة وغلبة القوة القبلية والعسكرية وثقافة الكراهية والتكفير والتطرف والإرهاب وقَرَرت تغييبه باسم الإرهاب في فضيحة مكشوفة الأسباب والأبعاد السياسية والوطنية .

             لروحك الطاهرة المجد والخلود أبا قيس

مقالات الكاتب

انهيار العملة !

الريال اليمـني يـنهار ويـدخل غـرفة الـعناية الـمركـزة ويعيش وضع بين الحياة والموت ، لأن الحكام يعيشو...

من قتل الرئيس السابق ؟

 بعيدا عن المقدمات والأسباب ومال للرئيس السابق علي عبدالله صالح وما عليه في حياته وسنوات حكمه ف...

الحاكمون والمتحكمون

أيها الحاكمون والمتحكمون فكروا ،فيما إذا فشلتم في إيقاف الحرب مؤقتآ ونحن نعرف أن كلآ منكم والمندوب ا...