هل تعرف من هو اليمني؟!
يا أنت.. اليمنيُّ هو من ينتسِبُ إلىٰ قومٍ قال الجليلُ عنهم: (فسوفَ يأتِ اللهُ بقومٍ يحبُّهمْ وي...
منذ بدايةِ رمضان، تحدَّثَ النَّاس عن برنامجِ (أنتَ كفو) البحريني، وحُقَّ لهم ذلك؛ لأنه قطعةٌ من الجمالِ والعبقرية! وأكثر ما أعجبني، أنَّ الفكرة التي طُبقت في البرنامج هي ما أدندنُ حولها دومًا، وهي تكريم الأحياء، والاحتفاء بهم، والخروج من ظاهرة (عشقِ الموتىٰ)، الظاهرة التي تتجلىٰ في حالةِ البكاء والحزن الذي يعترينا عندما يموتُ فينا عظيمٌ منسي!
وقد خصصنا حلقة كاملة عن هذه الظاهرة، في برنامجِ (#عبور)، عن غمطِ المحاسن، ودفن المواهب، وأتينا على هذه الفكرة من جذورها، كأقلِّ واجب للنظر دومًا إلىٰ من حقه التكريم والإشادة.
دعوكم من هذا التمهيد،
برنامج (خاطرك مجبور)، جمعَ ما تفرقَ في غيره، لا تتمالك نفسكَ وأنتَ تشاهده، جهدٌ ذاتي، أدوات تقليدية في نقلِ الجمال المتناثر من غبرةِ الأرض البكْر، وصور البهاء، وعنفوان بيوتِ القش، وعلو النفس، ورفعتها..!
كل حلقةٍ تتركني أجففُ بللَ العيْن، خاطرك مجبور، ليس مجرد برنامج تقليدي لدعمِ المحتاج، لا لا، الأمر أعظم من ذلك، إنه نافذة للنظر إلىٰ محاسن النَّفس الإنسانية التي طمرت في رمالِ القرىٰ النائية، نماذج من الفطرة التي لم تتلوث ببريق المدنية الزائفة، عرضٌ حيٌّ للقيم التي يتمثلها الإنسان التهامي البسيط، القانع، النبيل، المدفون تحتَ الرماد!
في حلقةِ الليلة، لم أتمالك نفسي،
أحسستُ بجبْرِ خاطري، ناهيكَ عن الشباب المساكين الذي يعيشونَ على حافةِ الحياة، مشاهدتكَ لهم؛ كفيلة بتسخيفِ خواطرك المتسارعة للهث وراء الدنيا بشكلٍ جنوني؛ إنهم منارات للحياة الأولىٰ التي كانت قبل أن تدنَّس بضجيجِ الآلة!
هزني من وجداني، عندما قال مقدم البرنامج للأخوين، لدينا جائزة واحدة، من منكما سيأخذها؟!
- قال الأخ الأصغر: لتكن لأخي الأكبر، فهو أحقُّ بها.
- رد الأخ الأكبر: بل ليأخذها أخي لأنه ترك الدراسة من أجل مساعدتي في العمل!
أعادني هذا المقطع إلى ذكرى عالقة في جدرانِ الروح، إلىٰ شيء مما كتبه العبقري وليد سيف في مسلسله المدهش "التغريبة الفلسطينية"، عندما تحدث على لسان (علي) وهو يحكي بطولة أخيه الأصغر الذي آثر ترك الدراسة للعمل في تضحية باسلة، ثمَّ الشعور بالذنب؛ لأنه تُرك في قلبِ الأرض يصارع البقاء، في حين توجه (هو) إلىٰ قاعات الدرس، ومن ثمَّ الخروج إلى فضاءِ المعرفة الكبير!
تمكن برنامج (خاطرك مجبور) من تجاوز كل أفكار القنوات الفضائية المتكلسة، الكسيحة، العقيمة؛ البائسة، وحده من شقَّ طريقه لتقديم لوحة فنية إنسانية خالصة، وسيمفونية تسبر غور الإنسان التهامي النقي، الإنسان الذي لم يتخلص من إنسانيته، بل تشبث بها في أعماقِ أعماقه!
البرنامج = نموذجٌ لجبْر الخواطر، بلا تكلف، نموذج للعطاء الذي يغمر الإنسان حدَّ الامتلاء، فرحًا؛ ودمعًا، وبكاءً.. لا علاقة له بالفتات العابر الذي يلقىٰ في وجه البسطاء، لكسب ملأ الشاشة، والظهور الشخصي علىٰ حساب القيمة الإنسانية وكرامتها، في خاطرك مجبور، يظهر المحتاج في صورة رفيعة، متعالية، ناصعة، لا يخالجك شعور بإراقة ماءِ الوجه، أو ما أسميه دومًا: بتوثيق الضعف الإنساني، والارتزاق منه، وإنما ظهور يتجلىٰ فيه طُهْر الشعور..!
يقف خلف البرنامج ثلة من خيرةِ شباب تهامة، لنقل صور متشابكة، أو بتعبير هيرمان هيسة (عنف التناقضات)، صور للجمال، والكرم، والفقر، والحاجة، وعلو النفس، وارتفاعها، وصورة لحياتهم المسحوقة في تلكم الأماكن النائية في تراب تهامة الطاهر!
خالد بريه