هل تعرف من هو اليمني؟!
يا أنت.. اليمنيُّ هو من ينتسِبُ إلىٰ قومٍ قال الجليلُ عنهم: (فسوفَ يأتِ اللهُ بقومٍ يحبُّهمْ وي...
«١»
تظافرتْ منذُ القِدَمِ العديدُ مِنَ العواملِ والأسبابِ المعقَّدةِ في خلقِ مجتمعٍ شديدِ التَّمايزِ، تُعشعِشُ فيهِ الطبقيةُ، والعنصريةُ، وتُمَارَسُ كشيءٍ بدَهيٍّ لا يَقبَلُ النَّقدَ أوِ الاعتراضَ.. والضحيةُ في هذهِ الظاهرةِ هُمْ مَنْ وَجَدُوا أنفسَهُمْ بِلا غِطاءٍ؛ ضحايا التعييرِ والنَّظرةِ الدُّونيةِ مِنْ قِبَلِ المجتمعِ المتشبِّعِ بالعُلُوِّ الزَّائف.
«٢»
تتجلىٰ العنصريةِ والتَّمايزِ الطبَقيِّ في أمور عديدةٍ، حتَّىٰ علىٰ مستوى النُّكتةِ، مثلًا هناك نِكاتٌ تُقال علىٰ أبناءِ محافظةٍ بعينِها؛ لأنَّهُمْ يشتغلونَ بالعَرَباتِ باعةً متجولينَ، وارتبطتْ سمعةُ أبناءِ محافظةٍ أخرى بعملِهِمْ في صناعةِ اللحوحِ، وثَمَّةَ نِكاتٌ تَسْخَرُ مِنْ أهالي بعض القُرَى بسببِ براءةِ طباعِهِمْ وبساطتِهِمْ. ولا يرتبطُ التمييزُ بالمِهْنةِ فقطْ بلْ بالموقعِ الجغرافيِّ أيضًا، فأبناءُ المُدُنِ يُعانُونَ مِنَ التمييزِ لأنَّهُمْ سِلْمِيُّونَ بطبيعتِهِمْ ولأنَّ بَشَرَتَهُمْ مَكسُوَّةٌ بالسُّمْرة المليحة.
«٣»
ثَمَّةَ صُوَرٌ مِنْ صورِ الطَّبَقيةِ والاستعلاءِ حتَّىٰ على مستوى المُدُنِ: تُعمَّمُ على المدينةِ أو الإقليمِ صِفةٌ مِنَ الصفاتِ، وبناءً على ذلكَ يُحرَمونَ مِنْ كلِّ شيءٍ..، تأمَّلْ في أسماءِ الحُكوماتِ منذُ بزوغِ ثورةِ اثنين وستين، ستَجِدُ أنها تَنحصِرُ في بُقعةٍ ومكانٍ معيَّنٍ، وعنصرٍ مخصوصٍ، وكأنَّ الآخرينَ لا حَقَّ لهُمْ في المشاركةِ فيهِ إلَّا بشكلٍ هامشيٍّ ذرًّا للرمادِ في العيون.
«٤»
تأتي هذهِ التصنيفاتُ نتيجةً لتقسيماتٍ تراكمتْ عَبْرَ مِئاتِ السِّنينِ لم تستطعِ النُّصوصُ الدينيةُ إلغاءَها رَغْمَ مَقْتِ التصورِ الإسلاميِّ لها وتنفيرِه منها، وما ذلكَ إلا بسببِ الرَّغبةِ المجتمعيةِ في ترسيخِها، وتحديدًا مِنْ قِبَلِ ذَوِي التصنيفاتِ العليا؛ ولذلكَ استمرَّ تقسيمُ الناسِ إلىٰ مشايخ وسادةٍ، وقضاةٍ، وقبائلَ، وجزَّارين وحلَّاقين، ومهمَّشِين، وأصحابِ المناطقِ الوسطىٰ وغيرِهِمْ.
«٥»
تظهرُ إحدى صُوَرِ "التمييزِ الاجتماعيِّ"، مِنْ خلالِ مكانةِ "الشيخِ والقاضي والسَّيدِ، باعتبارِهِمْ مِنَ النُّبلاءِ، مهما كانَ سوءُ أخلاقِهِمْ، وضحالة تفكيرِهِمْ، وتُسَخَّرُ لخِدْمتِهِمْ كلُّ فئاتِ المجتمعِ الأخرى، بَدْءًا بالمهمَّشينَ، وُصُولًا إلى (العاملينَ في الحِرَفِ اليدويةِ).
«٦»
لا يقتصرُ التمييزُ على الفئاتِ المهمَّشةِ، بل تعاني منه أيضًا تلكَ الطَّبقاتُ التي تَقَعُ في وَسَطِ الهَرَمِ الطَّبَقيِّ، فابنُ الشيخِ لا يستطيعُ الزواجَ ببنتِ السيدِ مثلًا. وابنُ المزينِ والجزارِ لا يستطيعونَ الزواجَ ببناتِ المشايخِ، أوِ القبائلِ، والمهمشونَ لا يستطيعونَ الزواجَ مِنْ أبناءِ الطَّبَقاتِ الأخرى بمختلِفِ أنواعها، لقدْ أصبَحْنا نُعانِي مِنْ واقعٍ مُتخَمٍ بالعنصريةِ!
«٧»
هناك أيضًا "تمييزٌ مهنيٌّ" يرتبطُ بالِحرَف التي يُزاوِلُها المواطنونَ. ويختصرون تحت لافتة (مزين)، وكذا الأعمال التي تحتاجُ إلى جُهدٍ عضليٍّ غالبًا ما يُنظَرُ إليها باحتقارٍ، وهذا كلُّهُ بسببِ منظومةِ الخَلَلِ الفكريِّ المجتمعيِّ القائمِ علىٰ التفاضلِ الزائفِ، والادعاءِ الفاسدِ بتمايزِ البَشَر بناءً علىٰ مهنهم.
«٨»
وكلُّ هذا يعودُ إلى شعورٍ حادٍّ بالطَّبَقيَّةِ، والتَّمايزِ، والنَّظَراتِ الدُّونيةِ التي يُنظَرُ بها إلى بعضِ الأشخاص، والمهن، والأسر، والمُدُنِ، وطبيعةِ أبنائِها، ولا ريبَ أنَّ عَدَمَ الحدِّ مِنْ هذا التغولِ على حقوقِ الآخرين في فضاءِ اليمن الكبيرِ، سيَهْوِي بالمجتمعِ إلى مكانٍ سحيق أبعد مما هو عليه الآن، لأنَّ الظُّلمَ لا يَقبَلُ بهِ أحدٌ، والطَّبقيةُ الزائفةُ، والعواملُ المعقَّدةُ في المجتمعِ اليمنيِّ لا يُمكِنُ أن تستمرَّ، والأجيالُ الجديدةُ لم تَعُدْ تَقْبَلُ مِثلَ هذا التهميشِ الممنهجِ، ولا فَضْلَ لأحدٍ على أحدٍ إلَّا بالتقوى، والصَّلاحِ المجتمعيِّ ولا شيءَ آخر.
«٩»
في النصِّ الإلهيِّ الخالدِ يقول عزَّ وجل: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ". هذا هو مِيزانُ التَّمايزِ، ومِعيارُ الكرامةِ الإنسانيَّةِ، بهذا المِعيارِ نَسِيرُ بينَ الخَلْقِ، وبهذا الإكرامِ نُرَبِّي الجِيلَ على الاستقامةِ الإنسانيَّةِ القويمةِ، والابتعادِ عنْ أمراضِ الطَّبقيَّةِ والعُنصريَّةِ المقيتةِ.
«١٠»
علىٰ الأشخاص والأسر وأصحاب المهمن، وأبناءِ الأقاليمِ المهمَّشةِ الذينَ يُمارَسُ عليهِمُ الإقصاءُ، والحِرمانُ، وينظَرُ إليهِمْ بنَظَرَاتِ الطبقية، أن يَرْفُضُوا هذهِ الممارساتِ بكلِّ أشكالِها، وتوعيةُ الجيلِ الجديدِ بحقِّهِمُ المهدورِ بفعلِ الطبقيَّةِ والعُنصريَّةِ، وإحياءُ سُنَّةِ التَّدافعِ الإلهيِّ حتَّى يستقيمَ أمرُ الأمةِ وتَعُودَ إلى الرُّشدِ والهدى، بعيدًا عنِ اجترارِ الممارساتِ القائمةِ على الطَّبقيةِ والتمييزِ العُنصريّ.
#كلنا_ملاطف
خالد بريه