وتلك الأيام نداولها
انتابني شعور صامت بالحزن وأنا أقترب من طائرة فخمة كانت رابضة بالمطار وتحيط بها رائحة الدخان. شجعني...
مساء الخامس عشر من يناير 2019. سيبقى هذا اليوم منقوشا في صفحات التاريخ المعاصر. فقد تكبدت فيه رئيسة الوزراء تيريزا ماي هزيمة غير مسبوقة من حيث ثقلها، بعد رفض الغالبية العظمى من النواب صفقة البريكست التي أبرمتها في بروكسل مع الاتحاد الأوروبي.
لكن دعنا من النتيجة، وهلموا بنا إلى جلسة التصويت.
وسط النواب كانت سيدة بفستان أزرق تجلس على كرسي متحرك، وكانت تنصت مثل الجميع الى جون بيركو رئيس المجلس وهو يصرخ بصوت مبحوح لازمته الشهيرة "اوردااااااار.... أوردر!".
فمن هي تلك السيدة وماذا كانت تفعل هناك؟.
توليب صدّيق ليست مسنة أو مقعدة. فعمرها لا يتجاوز 37 عاما، لكنها حامل، على وشك أن تضع مولودها. فماذا تفعل إذن في هذا المقام خلال ساعات المساء الأولى؟.
لنعد إلى شهر يوليو من العام الماضي. في أحد أيام ذلك الصيف اتصلت عضو مجلس العموم، جو سوينسن، وهي من حزب اللبراليين الديمقراطيين المعارض، برئيس فريق المحافظين براندن لويس طالبة منه ألا يشارك في احدى جلسات التصويت لأنها ستتغيب عنها. لقد كانت سوينسن في الأيام الأخيرة من الحمل.
وجرى العرف في البرلمان البريطاني بأنه لما تكون احدى اعضاء المجلس في مرحلة متقدمة من الحمل أو وضعت حملها قبل فترة وجيزة، تطلب من عضو في الحزب المقابل أن يتغيب خلال جلسات التصويت أو أن يحضر ولا يشارك، وبالتالي فإن المعسكرين كليهما لا يخسران أي صوت.
إلا أن ما حدث في يوليو الماضي هو أن لويس اتفق مع سوينسن، وحين حلت لحظة التصويت... أخلف وعده، فصوّت.
لقد تبدد مبدأ الثقة.
خلال جلسة مساء أمس، كانت السيدة توليب صدِّيق تدرك هذه الواقعة، فقررت أن لا تقع في مثل ذلك المطب.
لقد كان مقررا لها أن تضع مولودها أمس في عملية قيصرية مبكرة بعدما ظهرت عليها أعراض أمراض عدة، من بينها السكري. لكن لأن مبدأ الثقة المتبادلة بين أعضاء مجلس العموم قد اهتز، فقد طلبت من الأطباء المشرفين أن يؤجلوا الولادة لمدة يومين، فوافقوا.
وجيء بتوليب على الكرسي المتحرك إلى قصر وستمنستر الذي يُؤوي البرلمان البريطاني. وأدلت بصوتها ضد تيريزا ماي ومشروعها، قائلة:"أفضل أن يأتي ابني إلى الوجود وقد ضمنّا له أن تكون علاقتنا مع أوروبا أكثر قوة".